لِمَن يا ترى أَشكو بِمَدمَعيَ الهملِ – الياس أبو شبكة

لِمَن يا ترى أَشكو بِمَدمَعيَ الهملِ … وَما ليَ في لُبنانَ من مخلِصٍ خِلِّ

لَقَد كانَ لي فَضلٌ عَلى كُلِّ صاحِبٍ … فَأَنكر صحبي كلَّ ما كان من فَضلي

أَأَشكو إِلى القانون غَدرَ مَعاشِري … وَقد أَصبَحَ القانونُ يوطِأ بِالرِجلِ

غداةَ طَلَبتُ النورَ أَنكَرَني الملا … وَلَمّا اِدَّرعتُ الصِدقَ أَنكَرَني أَهلي

تمرَّدَ فَردٌ من بِلاديَ مرَّةً … وَصَوَّبَ نَحوي نبلَتين من العذلِ

لِأَنّي لا أَمشي عَلى نَهجِ جاهِلٍ … يَسيرُ شَموخَ الأَنفِ في ظُلمَةِ الجَهلِ

وَلَو كانَ ذا عَقلٍ يُقارِنُه الوَفا … لما حكَّم الجَهلَ المُغرّر بِالعَقلِ

وَلكِن تَعامى عَن هداهُ لِأَنَّهُ … أُصيبَ من الدُنيا بمسٍّ من الخَبلِ

رَأَيتُ فَتاةً أَمسِ يَربطني بِها … غَرامٌ نَما في الصَدر مجتَمِع الشَملِ

لَها في لماها العذبِ بَسمَةُ طاهِرٍ … تُنيرُ دُجى الظَلماءِ من شِعرِها الجَثلِ

فَقُلتُ لها إِنّي عَلى الوُدِّ قائِمٌ … وَلكِن بُعادي سَوف يُخني عَلى الوَصلِ

فَإِنّي سَأَنأى عَن بِلادي مُسافِراً … فَلَستُ أَطيقُ الظُلمَ في البَلَدِ المحلِ

رَأَيتُ هنا رَهطاً من الناسِ آثَروا … يدَ الظُلمِ أَن تَعلو وَتفتك بِالعَدلِ

رَأَيتَهُم وَالقَيدُ حَول رِقابِهِم … وَأَيديهِم مَشدودَة الرَبطِ بِالغُلِّ

يَقودُهم مِن سافِل الخَلقِ زُمرَة … تُحاوِل نَفثَ السَمِّ فيهِم كَالصَلِّ

تَبثُّ من الأَغراضِ فيهِم مبادئاً … أَشدَّ بِجِسم الإِجتِماعِ من السلِّ

تُريدُهُم عُمياً عَن النورِ وَالدُجى … يُخَيّشمُ فَوقَ الحَقِّ سَدلاً عَلى سَدلِ

وَتَهزَأُ بِالشَخصِ الَّذي لَم يُصخ لَها … وَلكِن سَوادُ الهَدبِ أَبقى مِن الكَحلِ

فَقالَت كُن الحَق المُحَرَّرَ في الوَرى … وَدع حَشَراتِ الأَرضِ تَزحفُ في الوَحلِ

فَما أَنتَ مِمَّن يُثبطُ الهَمُّ سَعيَهُ … وَثابِر عَلى كَشفِ الظَلامِ بِلا مَطلِ

وُجودُك في الدُنيا لِتَخدمَ مبدءاً … فَلا تَبنِهِ إِن كُنتَ شَهماً عَلى الرَملِ

وَأَملِ تَعاليمَ الحَياةِ عَلى المَلا … فَإِنَّ يَدَ الأَجيالِ تَكتُبُ ما تَملي

وَلا تَستَرقَّ النَفسَ من أَجل بَغيَةٍ … وَدس حَشراتِ المُستَبِدّينَ بِالنَعلِ

فَمَن يَستبح هضمَ الحُقوقِ لِغايَةٍ … فَذلِكَ أَولى بِالحَقارَةِ وَالرَذلِ

وَأَسد مَع الأَحرارِ أُغنيَّةَ العَلى … فَما الحُرُّ إِلّا بُلبُلُ المَجدِ وَالنُبلِ

وَما الحرُّ إِلّا ذلِكَ العامِلُ الَّذي … تَمَشّى عَلى هامِ العبودَةِ وَالذُلِّ

هو الحُرُّ رَمزُ الحَقِّ رَمزُ فَضيلَةٍ … تَسيرُ مَع الأَجيالِ في الشَرَفِ المُعلي

أَذابَ عَلى جَمرِ الحَياةِ دِماغَه … وَصيَّرَه زيتاً ينّور في السبلِ

تَقولُ ابنةُ الأَجيالِ وَهيض مطلَّةٌ … من الهَيكَلِ الأَسمى عَلى عالَمِ النَسلِ

تُرى مَن رَأى قَبلي الوجودَ مهدّماً … وَمن ذا رَأى الأَحرارَ بانِيَةً قَبلي

هنا سَكَنت تِلكَ الفَتاةُ وحدَّقَت … إِلى المَلا الأَعلى بِأَعيُنِها النُجلِ

وَمن ثَغرِها نورُ المساواةِ مشرقٌ … يفسِّر أَنَّ الملك في خلقِهِ مثلي

وَحريَّة قَد أَشرَقَت من جَبينِها … وَرَمزُ إِخاءٍ وَالسَلامُ على الكُلِّ