جثا اللَيلُ ملتَفّاً بِبُردِ السَرائِرِ – الياس أبو شبكة

جثا اللَيلُ ملتَفّاً بِبُردِ السَرائِرِ … وَفي صَدرِهِ المَفؤودِ رِعشَةُ جائِرِ

كَأَنّي بِهِ وَالصَمتُ في جَنَباتِهِ … مَواكِبُ كُفّارٍ أَمامَ الضَمائِرِ

وَفي القبَّةِ السَوداءِ لحفٌ كثيفَةٌ … عَلى مَهدِها نامَت عُيونُ الزَواهِرِ

كَأَنّي بِهذي اللحفِ جبَّةُ سارِقٍ … وَقد أُخفَيت فيها عُقودُ الجَواهِرِ

هَفا شَبحُ الأَحلامِ من غورِ كهفِهِ … وَقد عَلِقَت أَذيالُهُ بِالمَحاجِرِ

كَأَنَّ غَطيطَ النائِمينَ نَواسِمٌ … يُحَرِّكُها الصَفصافُ فَوقَ المَقابِر

لَدُن فَتَحت أُمي نَوافِذَ مخدعي … تمشّى إِلى قَلبي أَريجُ الأَزاهِرِ

كَأَنَّ مَصاريعَ الكَوى وَهيَ شُرَّعٌ … جُفونُ يَتيمٍ موجَعِ القَلبِ حائِرِ

أَنا في سَريرٍ من قُماشٍ مُطَرَّزٍ … تَدَلَّت عَلى جَنبَيهِ بيضُ السَتائِر

كَأَنّي ميِّتٌ في رخامِ ضَريحِهِ … تكفِّنُه شَفّافَةٌ من حَرائِرِ

أَرى قَلَمي المَظلومَ في هَدأَةِ الدُجى … يَنامُ مَعَ الأَوراقِ قُربَ المحابِرِ

بِماذا تُراهُ يَحلُمُ الآنَ إِنَّني … لَأَسمَعُ مِنهُ مثلَ زَفرَةِ شاعِرِ

أَيا قَلَمي ما ضَرَّ لَو كُنتَ سِكَّةً … تَطوفُ شَريفاً في الحقولِ النَواضِرِ

تحيّيكَ أَسرابُ الطُيورِ وَتَنحَني … أَمامَك أَعناقُ الزُهورِ السَواحِرِ

أَيا قَلَمي ما ضَرَّ لَو كُنتَ سِكَّةً … تخلِّدُ لي بَينَ الجِبالِ مَآثِري

فَأَرفَعُ نَفسي عالِياً بَعد خَفضَةٍ … وَتُظهِرُ أَسمى في السُهولِ مَفاخِري

وَيا صُحُفاً يَجري مدادُ عَواطِفي … عَلَيها وَيُلقيها الريا في المَساخِرِ

فَقَدتُكِ هَلّا كُنتِ أَرضاً خَصيبَةً … يَسيلُ عَلَيها من جباهِ الجَبابِرِ

يُذيبُ عَلَيها الفَجرُ كَوثَر طُهرِهِ … أَرَقَّ وَأَصفى مَنهَلاً من كَواثِري

فَكَوثَرُهُ يُحيى الفَقيرَ وَكَوثَري … يُثيرُ حَياةً في جَمادِ الدَفاتِرِ

أَيا قَلَمي نم في الخُمولِ وَلا تُفِق … وَيا صُحُفي نامي فَقَد نامَ خاطِري

وَيا فَجرُ لا تَطلع عَلَيَّ فَفي الدُجى … مَدافِنُ فيها تَستكنُّ شَواعِري