ليالينا بين اللوى فمحجر – البحتري
لَيَالينا بَينَ اللّوَى، فمُحَجَّرِ، … سُقيتِ الحَيا منْ صَيّبِ المُزْنِ مُمطِرِ
مضَى بكِ وَصْلُ الغانياتِ وَنَشوَةُ الـ … ـشّبابِ، وَمَعرُوفُ الهوى المُتَنَكّرِ
فإنْ أتَذَكّرْ حُسْنَ ما فَاتَ لا أجِدْ … رُجُوعاً، لِما فارَقْتُهُ، بالتّذكّرِ
نَضَوْتُ الأسَى عَنّي اصْطِباراً، ورُبّما … أسِيتُ، فلَمْ أصْبِرْ وَلَمْ أتَصَبّرِ
أيَا صَاحبي إمّا أرَدْتَ صَحَابَتي، … فكُنْ مُقصِراً، أوْ مُغرَماً مثلَ مُقصِرِ
فإنّيَ، إنْ أُزْمِعْ غُدُوّاً لِطِيّةٍ، … أُغَلِّسْ، وإنْ أُجْمِعْ رَوَاحاً أُهَجِّرِ
وَمَا يَقرُبُ الطّيفُ المُلِمُّ رَكَائبي، … ولاَ يَعْتَرِيني الشّوْقُ من حيثُ يَعترِي
سُقينا جنَى السُّلوَانِ أمْ شغَلَ الهَوَى … عَلَينا بَنُو العِشرينَ، من كلّ معشرِ
وَقد سَاءَني أنْ لمْ يَهِجْ منْ صَبَابتي … سَنا البَرْقِ في جِنْحٍ من اللّيلِ أخضرِ
وأني هجر للمدام وقد جلى … لنا الصبح من قطربل وبلشكر
وكيفَ تَعاطي اللّهوِ، والرّأسُ مُحْلَسٌ … مَشيباً وَشُرْبُ الرّاحِ من بَعد جَعفَرِ
قَنِعْتُ، وجانَبْتُ المَطامِعَ لابِساً … لِبَاسَ مُحِبٍّ، للبراءَةِ مُؤثِرِ
وآنَسَني عِلْمي بأنْ لا تَقَدُّمي … مُفِيدي ولا مُزْرٍ بحَظّي تأخُّرِي
وَلَوْ فَاتَني المَقْدُورُ ممّا أرُومُهُ … بسَعْيٍ، لأدرَكْتُ الذي لمْ يُقَدَّرِ
أقُولُ لذي البِشْرِ البكيّ الذي نَبَتْ … خَلاَئِقُهُ، والنّائِلِ المُتَعَذِّرِ
لِمَنْ رِفدُهُ بَيضُ الأنُوقِ، وَعَرْضُهْ، … إذا أكثَبَ الرّامي، صَفاةُ المُشَقَّرِ
كَفَاكَ العُلا مَنْ لستَ فيها بِبَالغٍ … مَداهُ، ولا مُغْنٍ لَهُ يَوْمَ مَفخَرِ
وَمَنْ لَوْ تُرَى في ملكِهِ عُدتَ نائلاً … لأوّلِ عَافٍ من مُرَجّيهِ، مُقْتِرِ
لَقَدْ حِيطَ فَيْءُ المُسْلِمِينَ بحَازِمٍ، … كَلُوءٍ لِفَيْءِ المُسْلِمِينَ، مُوَفِّرِ
مَليءٍ بإذْلالِ العَزِيزِ، إذا التَوَى … عَلَيْهِ، وَقَسْرِ الأبْلَخِ المُكَبِّرِ
أذَاقَ الخَصِيبِيِّينَ عُقْبَى فِعَالِهِمْ، … على حينَ بأوٍ مِنْهُمُ، وَتَكَبُّرِ
وكانوا متى ما يُسألُوا النّصْفَ يَشمَخوا … بانفِ شُرّادٍ عَنِ الحَقّ، نُفّرِ
نَمَاهُمْ أبو المَغرَاءِ، في جِذْمِ لُؤمِهِ، … إلى كلّ عِلجٍ من بَني التّالِ، أمغَرِ
يَعُدّونَ سَوْخَرّاءَ جَدّاً بِزَعمِهِمْ، … فقَد أحرَزُوا شؤمَ اسمِهِ في التّطَيّرِ
ونبئتهم تحت العصي وقد بدت … خزايا مقر منهم ومقرر
لِحًى نُتِفَتْ، حتّى أُطيرَتْ سِبَالُهَا، … وأقفاءُ مَصْفُوعينَ في كلّ مَحضَرِ
حَداكمْ صَليبُ العَزْمِ، ليسَ بَواهنٍ، … وَلا غَمَرٍ في المُشكِلاَتِ مُغَمِّرِ
قَليلُ احتِجَابِ الوَجهِ، يَغدو بمسمعٍ … من الأمرِ، حتّى يَستَيثِبُّ، وَمَنظَرِ
مُعَنًّى بإعْجالِ البَطىءِ، إذا احتُبي، … وَصَبٌّ بتَقديمِ المُزَجّى المُؤخَّرِ
إذا طَلَبُوا مِنْهُ الهَوَادَةَ طالَهُمْ … قَرَا جَبَلٍ مِنْ دُونِها مُتَوَعِّرِ
وإنْ سألوا: أينَ الدّنيئَةُ، أعْوَزَتْ … لَدَى أحْوَزِيٍّ، للدّنيئَةِ مُنكِرِ
متى اختَلَفَ الكُتّابُ في الحُكمِ أجمعوا … على رأيِ ثَبتٍ، في النّديّ، مُوَقَّرِ
وإنْ حَارَ سارِي القوْمِ في الخَطبِ أنجحَتْ … بَصِيرَةُ هادٍ للمَحَجّةِ، مُبصِرِ
كِلوا الغَايَةَ القُصْوَى إلى من يَفُوتُكُمْ … بها، وَدعوا التّدبيرَ لابنِ المُدَبِّرِ
فِداءُ أبي إسحاقَ نَفسِي وأُسرَتي، … وَقَلّتْ لَهُ نَفسِي فِداءً، وَمَعشري
لَبِسْتُ لَهُ النُّعمَى التي لا بَديُهَا … حَديث، ولا مَعْرُوفُها بمُكَدَّرِ
أطَبْتَ، فأكْثَرْتَ العَطاءَ مُسَمِّحاً، … فَطِبْ نامِياً في نَضرَةِ العَيشِ واكثُرِ
وأديت من بادورياء ومسكن … خراجي في جنبي كناب وتعمر
فإن قصرت تلك الولاة فقد رمى … إلى المجد والي سؤدد لم يقصر