لما وصلت أسماء من حبلنا شكر – البحتري
لِمَا وَصَلَتْ أسماءُ مِنْ حَبلِنَا شكرُ، … وإنْ حُمّ بالبَينِ الذي لمْ نُرِدْ قَدْرُ
إذا ما استَقَلّتْ زَفْرَةٌ لِفِرَاقِهِمْ، … فَمَا عُذْرُها ألاّ يَضِيقَ بها الصّدْرُ
نَصِيبيَ مِنْ حُبّيكِ أنّ صَبَابَةً … مُبَرِّحَةً تَبرِي العِظَامَ، وَلاَ تَبرُو
وَتَحْتَ ضُلُوعي، من هَوَاكِ، جَوانحٌ … مُحَرَّقَةٌ، في كُلّ جَانِحَةٍ جَمرُ
وَقَدْ طَرَفَتْ عَيناكِ عَينيّ، لا قَذًى … أصَابَهُمَا مِنْ عِندِ عَيْنَيْكِ بل سِحرُ
وِصَالٌ سَقَاني الخَبَلَ صِرْفاً فلم يكنْ … ليَبْلُغَ مَا أدّتْ عَقَابِيلُهُ الهَجْرُ
وَبَاقي شَبَابٍ في مَشيبٍ مُغَلَّبٍ، … عَلَيهِ اختِتَاءُ اليَوْمِ يُكثِرُهُ الشّهرُ
وَلَيسَ طَليق مَنْ رَاِحُ، أوْ غَدَا … يَسُومُ التّصَابي، والمَشيبُ لَهُ أسرُ
تَطاوَحَني العَصرَانِ في رَجَوَيْهِما، … يُسَيّبُني عَصْرٌ، وَيُعْلِقُني عَصْرُ
مَتَاعٌ مِنَ الدّهْرِ استَجَدّ بجِدّتي، … وأعظَمُ جُرْمِ الدّهْرِ أن يَمتَعَ الدّهرُ
سَتَرْتُ على الدّنيا، وَلَوْ شئتُ لم يكنْ … على عَيبِها، من نحوِ ذي نَظَرٍ، سِترُ
وَخادَعتُ رأيي إنّما العَيشُ خِدعةٌ … لرَأيِكَ تَستَدعي الجَهَالَةَ أوْ سُكرُ
وَما زِلْتُ مُذْ أيسَرْتُ أسمُو إلى التي … يرَادُ لَهَا، حتّى يسادَ به اليسرُ
إذا ما الفتى استَغنى فلَمْ يُعطِ نَفْسَهُ … تَعَلّيَ نَفْسٍ بالغِنَى، فالغِنَى فَقْرُ
ويَرْثي لبَعضِ القَوْمِ من بَعضِ مالِهِ … إذا ما اليَدُ الملأى شأتها اليَدُ الصِّفْرُ
أرَقّتْ جِنَايَاتُ المُضَلِّلِ ثَرْوَتي، … فَلا نَشَبٌ بَعدَ العَبيدِ، وَلاَ وَفْرُ
وَقَدْ زَعَمُوا مِصْرٌ مَعَانٌ من الغِنَى، … فكَيْفَ أسَفّتْ بي إلى عَدَمِ مِصْرُ
سَيَجبِرُ كَسرِي المِصْقَلِيّونَ إنّهمْ … بهِمْ تُدْفَعُ الجُلّى، وَيُجْتَبَرُ الكسرُ
فَمَا تَتَعَاطَى ما يَنَالُونَهُ يَدٌ، … ولاَ يَتَقَصَّى ما يَنيلُونَهُ شُكْرُ
عَرِيقُونَ في الإفْضَالِ يُؤتَنَفُ النّدى … لناشِئِهِمْ مِنْ حَيثُ يُؤتَنَفُ العمرُ
إذا تَجرُوا في سُؤدَدٍ، وَتَزَايَدُوا، … فأنْفَقُ ما أبضَعتَ عندَهُمُ الشّعْرُ
يجازَى القَوَافي بالأيَادي مَبَرّةً، … تَضَاعِيفُها، في كُلّ وَاحدَةٍ، عَشرُ
غَدَوْا عَبِقي الأكْنافِ تأرَجُ أرْضُهمْ … بطيبِ ثَنَاءٍ، ما يُوَازيُ بهِ العِطْرُ
وَمَا سَوّدَ الأقْوَامَ مِثْلُ عُمَارَةٍ، … إذا نُسِيَ الأقْوَامُ شَاعَ لَهُ ذِكْرُ
تَجَنّبْ سِرَاهُمْ للعُلا واتّبغائِها، … بسَعيٍ، وَعَرّسْ حَيثُ أدرككَ الفَجرُ
فَما لكَ في أطوَادِ تَغْلِبَ مُرْتَقًى، … وَلاَ منكَ في حَوْزٍ جَماجمُها الكُبرُ
وَقدْ مُليَتْ فَخراً رَبيعَةُ أنْ سَعَى … لَهَا مِنْ سَوَى بَكرِ بنِ وائِلِها بَكرُ
وَمَا أشرَفَ البَكرَينِ مَنْ لمْ يَكُنْ لَهُ … حَبيبٌ أبَا يَوْمَ التّفَاضُلِ، أوْ عَمرُو
وَيَحمِلُ عَنّا الخُضرُ خضرُ بنُ أحمدٍ … منَ المَحلِ عِبئاً لَيسَ يَحمِلُهُ القَطرُ
بِغَزْرِ يَدٍ مِنْهُ تَقُولُ تَعَلّمَتْ … يَدُ الغَيْثِ مِنْهَا، أوْ تَقَيّلَها البحرُ
وَكَمْ بَسَطَ الخُضرُ بنُ أحمدَ غايَةً … منَ المَجْدِ، لا يَقفُو مَسافَتِها الخُضرُ
لَهُ الفَعَلاتُ، الدّهرُ أقطَعُ دونَهَا، … أشَلُّ، وَظَهرُ الأرْضِ من مثلِها قَفْرُ
مُقيمٌ عَلَى نَهْجٍ مِنَ الجُودِ واضِحٍ، … وَنَحْنُ إلى جَمّاتِ نَائِلِهِ سَفْرُ
يُدَنّي لَنَا الحَاجَاتِ، مَطْلَبُها نوًى … شَطُونٌ، وَمأتاها، على نأيها، وَعْرُ
مُضِيءٌ، يَنُوبُ اليسرُ عن ضَحِكَاتِهِ، … وَلا رَيْبَ في أنّ العُبُوسَ هوَ العُسْرُ
ولو ضمن المعروف طي صحيفة … تكاد عليه كان عنوانها البشر
فَتًى، لا يُرِيدُ الوَفْرَ إلاّ ذَخِيرَةً … لمأثُرَةٍ تُرْتَادُ، أوْ مَغرَمٍ يَعْرُو
وأكثَرُهُمْ يَهوَى الإضَاقَةَ كَيْ يَرَى … لَهُ، في الذي يأتيهِ مِنْ طَبَعٍ، عُذْرُ
رَبيعٌ تُرَجّيهِ رَبيعَةُ للغِنَى، … وتبكر إتباعا لأبوابه بكر
وَمَا زَالَ من آبَائِهِ وَجُدُودِهِ، … لهْ أنجُمٌ، في سَقْفِ عَليائِهم، زُهْرُ
أبَا عَامِرٍ إنّ المَعَالي وأهلَهَا … يَوَدّونَ وِدّاً أنْ يَطُولَ بكَ العُمرُ
إذا جِئتُمُ أُكْرُومَةً تَبْهَرُ الوَرَى، … فَما هيَ بِدْعٌ من عُلاكمْ، وَلاَ بِكرُ
وأكرومة جلى أبو الصقر طامحاً … إليها كما جلى طريدته الصقر
يجاوزها المغمور لا يثني لها … بعطف وينحو نحوها النابه الغمر
متى جئتموها أو دعيتهم لمثلها … فما هي من بكر بن وائلكم بكر
إذا نَحنُ كافأناكُمُ عَنْ صَنيعَةٍ، … إنِفنا، فلا التّقصِيرُ منّا، وَلا الكُفْرُ
بمَنْقُوشَةٍ نَقْشَ الدّنانيرِ، يُنْتَقَى … لَهَا اللّفْظُ مُختاراً، كمَا يُنتَقَى التّبْرُ
تَبيتُ أمَامَ الرّيحِ مِنها طَليعَةٌ، … وَغُدْوَتُها شَهْرٌ، وَرَوْحَتُها شَهرُ
تُقَضّى دُيُونُ المُنْعِمِينَ، وَيُقتَنَى … لَهُمْ منْ بَوَاقِي ما أعاضَتهُمُ فَخْرُ