لقد هاج من عيني ماء على الهوى – الفرزدق

لَقَدْ هَاجَ من عَيْنيّ ماءً على الهَوَى … خَيَالٌ أتَاني آخِرَ اللّيْلِ زَائرُهْ

لِمَيّةَ، حَيّا بِالسّلامِ كَأنّمَا … عَلَيْهِ دمٌ لا يَقْبَلُ المالَ ثَائِرُهْ

كَأنّ خُزَامَى حَرّكَتْ رِيحَها الصَّبا، … وَحَنوَةَ رَوْضٍ حِينَ أقلَعَ ماطِرُهْ

لَنَا إذ أتَتْنَا الرّيحُ مِنْ نَحْوِ أرْضِها … وَدارِيَّ مِسْكٍ غَارَ في البَحرِ تاجِرُهْ

دَعَتني إلَيها الشمسُ تحتَ خِمارِهَا … وَجَعْدٌ تَثَنّى في الكَثيبِ غَدائِرُهْ

كَأنّ نَوَاراً تَرْتَعي رَمْلَ عَالِجٍ … إلى رَبْرَبٍ تَحنُو إلَيْهِ جَآذِرُهْ

مِنَ أينَ أُلاقي آلَ مَيٍّ، وَقَدْ أتَى … نَبيُّ فُلَيْجٍ دُونَهَا وَأغَادِرُهْ

يُرِيدونَ رَوْضَ الحَزْنِ أن يُنفِشوا بهِ … إذا استَأسَدَتْ قُرْيَانُهُ وَظَوَاهِرُهْ

إلَيْكَ ابنَ عَبدِ الله أسنَفْتُ نَاقَتي … وَقد أقلق النِّسعَينِ للبَطْنِ ضَامِرُهْ

وَكَائِنْ لَبِسْنَا مِنْ رِدَاءِ وَدِيقَةٍ … إليْكَ وَلَيْلٌ كَالرُّوَيْزِيّ سَائِرُهْ

أُبَادِرُ مَنْ يأتيكَ مِنْ كُلّ جانِبٍ … مُشَاةً وَرُكْبَاناً، فإني مُبَادِرُهْ

أُبَادِرُ كَفّيْكَ اللّتَيْنِ نَداهُمَا … عَلى مَنْ بِنَجْدٍ، أوْ تهامةَ، ماطِرُهْ

دَعي النّاس وأْتي بي المُهَاجِرَ إنّهُ … أرَاهُ الّذِي تُعطي المَقَالِيدَ عامِرُهْ

وَمَنْ يَكُ أمسى وَهُوَ وَعرٌ صُعودُهُ … فإنّ ابنَ عَبْدِ الله سَهْلٌ مَصَادِرُهْ

نمَى بِكَ مِنْ فَرْعَيْ رَبِيعَةَ للعُلى، … بحَيْثُ يَرُدّ الطَّرْفَ للعَينِ نَاظِرُهْ

مَرَاجِيحُ سَادَاتٌ عِظَامٌ جُدُودها … وَفِيهِمْ لأيّامِ الطِّعَانِ مَساعِرُهْ

وَمَنْ يَطّلِبْ مَسعاةَ قَوْمٍ يجدْ لهمْ … شَمَارِيخَ مِنْ عِزٍّ، عِظَامٍ مآثرُهْ

وَجَدْتُ القَنَا الهِنْدِيَّ فيكُمْ طعانُهُ … وَضَرْبٌ يُدَهْدي للرّؤوس فوادرُهْ

إذا مَا يَدُ الدرْعِ التَوَى ساعِدٌ لَهُ … بِأسيافِهِمْ وَالمَوْتُ حُمْرٌ دَوَائِرُهْ

رَأيْتُ النّسَاءَ السّاعِيَاتِ رِمَاحُنَا … مَعاقِلُها، إذْ أسلَمَ الغَوْثَ ناصرُهْ

إذَا المُضَرَانِ اكْرَمَانِ تَلاقيَا … إلَيكَ فَقدْ أرْبَى على النّاس فاخرُهْ

إذا خِندِفٌ جاءتْ وَقَيْسٌ إذ التَقتْ … بِرُكْبَانِهَا، حَجٌّ مِلاءٌ مَشَاعِرُهْ

بحَقّ امْرِىءٍ لا يَبْلُغُ النّاسُ قِبصَهُ … بَنو البَزَرَى من قيس عيلان ناصرُهْ

إليهِمْ تَناهتْ ذِرْوَةُ المَجدِ وَالحصَى … وَقِبصُ الحصَى إذ حصّل القبص خَابرُهْ

تَميمٌ وَما ضَمّتْ هَوَازنُ أصْبَحتْ … وَعَظمُهُمَا المُنهاضُ قد شدّ جابرُهْ

رَأيْتُ هِشاماً سَدّ أبْوَابَ فِتْنَةٍ … بِرَاعٍ كَفَى من خَوْفهِ ما يُحاذِرُهْ

بمُنتَجِبٍ منْ قَيسِ عَيلانَ صَعّدتْ … يَدَيْهِ، إلى ذاتِ البُرُوجِ، أكَابِرُهْ

فَمَا أحدٌ مِنْ قَيْسِ عَيْلانَ فاخراً … عَلَيْهِ وَلا مِنْهُمْ كَثِيرٌ يُكَاثِرُهْ

وَنَامَتْ عُيُونٌ كَانَ سُهِّدَ لَيْلُهَا … وَفَتّحَ بَاباً كُلُّ بَادٍ وَحَاضِرُهْ

ألَمّا يَنَلْ لي أنْ تَعُودَ قَرَابَةٌ، … وَحِلْمٌ عَلى قَيسٍ رِحابٌ مَصَادرُهْ

رَفَعتُ سِناني من هَوَازِنَ إذْ دنَتْ … وَأسْلَمَها مِنْ كُلّ رَامٍ مَحاشِرُهْ

وَحُلّلَتِ الأوْتَارُ إذْ لَمْ يَكُنْ لهَا … نِضالٌ لِرَامٍ دَمّغَتْهَا نَوَاقِرُهْ

لَقدْ عَلِمتْ عَيلانُ أنّ الذي رَسَتْ … لَئيمٌ وأنّ العَيْرَ قَدْ فُلّ حافِرُهْ

وَكُلُّ أُنَاسٍ فِيهِمُ مِنْ مُلُوكِنَا … لهُمْ رَبُّ صِدْقٍ والخَلِيفَةُ قاهِرُهْ

وَإني لَوَثّابٌ إلى المَجْدِ دُونَهُ، … مِن الوَعْثِ أوْ ضِيقِ المكانِ نَهابرُهْ

وَمِنّا رَسُولُ الله أُرْسِلَ بِالهُدَى، … وَبالحَقّ جَاءَتْ بِاليَقِينِ نَوَادِرُهْ