لعمري لقد كان ابن ثور لنهشل – الفرزدق

لَعَمْرِي لَقَدْ كان ابنُ ثَوْرٍ لنَهشلٍ … غَرُوراً، كمَا غَرّ السّلِيمَ تَمائِمُهْ

فَدَلاّهُمُ، حَتى إذا ما تَذَبْذَبُوا … بمَهْوَاةِ نِيقٍ أسْلَمَتْهُمْ سَلالمُهْ

فأصْبَحَ مَنْ تَحْمي رُمَيْلَةُ وابنُها … مُباحاً حِمَاهُ، مُسْتَحَلاًّ محَارِمُهْ

وَمِثلُكَ قد أبْطَرْتُهُ قَدْرَ ذَرْعِهِ، … إذا نَظَرَ الأقْوَامُ كَيْفَ أُرَاجِمُهْ

فَمَنْ يَزْدَجِرْ طَيْرَ اليَمِينِ، فإنّما … جَرَتْ لابن مَسعُودٍ يَزِيدَ أشائِمُهْ

تَسَمّعْ وَأنْصِتْ يا يَزِيدُ مَقالَتي، … وهَلْ أنتَ إنْ أفهَمتُكَ الحقَّ فاهِمُهْ

أُنَبّئْكَ ما قدْ يَعلَمُ النّاسُ كلُّهمْ، … وَما جاهلٌ شَيئاً كمَنْ هُوَ عالمُهْ

ألَمْ تَرَ أنّا نَحْنُ أفْضَلُ مِنْكُمُ … قَدِيماً، كما خَيرُ الجَناحِ قَوَادِمُهْ

وَمَا زَالَ بَاني العِزّ مِنّا، وَبَيْتُهُ، … وَفي النّاسِ باني بَيتٍ عَزٍّ وَهادِمُهْ

قَديماً ورِثْنَاهُ على عَهْدِ تُبّعٍ … طِوالاً سَوَارِيه شِداداً دَعَائِمُهْ

وَكَمْ من أسيرٍ قد فكَكنا وَمن دَمٍ … حَمَلنا إذا ما ضَجّ بالثّقْلِ غَارِمُهْ

بَني نَهْشَلٍ لَنْ تُدرِكُوا بسِبابِكُم … نَوَافَذَ قَوْلي حَيثُ غَبّتْ عَوَارِمُهْ

مَتى تَكُ ضَيْفَ النّهشَليّ إذا شَتَا، … تجِدْ ناقصَ المِقَرى خَبيثاً مَطاعمُهْ

ألَمْ تَعْلَمَا يا ابْنيْ رَقَاشٍ بِأنّني … إذا اختارَ حَرْبي مثلُكُمْ لا أسالمُهْ

غَنِمْنَا فُقَيْماً، إذْ فُقَيْمٌ غَنِيمَةٌ، … ألا كُلّ من عادَى الفُقَيميَّ غانِمُهْ

فجِئْنا بهِ من أرْضِ بكْرِ بنِ وَائِلٍ، … نَسُوقُ لصيرَ الأَنْفِ حُرْداً قَوادِمُهْ

أَنَا الشَّاعِرُ الحَامِي حَقِيقَةَ قَوْمِهِ … وَمِثْلي كَفَى الشّرَّ الّذي هوَ جارِمُهْ

وَكُنتُ إذا عادَيتُ قَوْماً حَمَلْتُهُمْ … على الجَمْرِ حتى يَحسِمَ الداءَ حاسمُهْ

وَجَيْش رَبَعْنَاهُ، كَأنّ زُهاءَهُ … شَمارِيخُ طَوْدٍ مُشمخرّ مَخارِمُهْ

كَثيرِ الحَصَى جمِّ الوَغى بالغِ العِدَى، … يُصِمّ السّمِيعَ رزُّهُ وَهَمَاهمُهْ

لُهامٍ تَظَلّ الطّيرُ تأخُذُ وَسْطَهُ، … تُقادُ إلى أرْضِ العَدُوّ سَوَاهِمُهْ

مَطَوْنَا بِهِ حَتى كَأنّ جِيادَهُ … نوىً خَلّقَنْهُ بالضُّرُوسِ عَوَاجمُهْ

قَبَائِلُهُ شَتى، وَيَجْمَعُ بَيْنَها … مِنَ الأمْرِ ما تُلْقَى إلَينا خَزَائِمُهْ

إذا ما غَدا مِنْ مَنْزِلٍ سَهّلَتْ لَهُ … سَنابِكُهُ صُمَّ الصُّوَى وَمَناسِمُهْ

إذا وَرَدَ المَاءَ الرّوَاءَ تَظامَأتْ … أوَائِلُهُ حتى يُمَاحَ عَيَالِمُهْ

دَهَمنا بهمْ بكراً فأصْبَحَ سَبْيُهُمْ … تُقَسَّمُ بِالأنْهَابِ فِينَا مَغانِمُهْ

غَزَوْنَا بِهِ أرْضَ العَدُوّ، وَمَوّلَتْ … صَعاليكَنَا أنْفالُهُ وَمَقاسِمُهْ

وَعِندَ رَسُولِ الله، إذْ شَدّ قَبضَهُ، … وَمُلِّىءَ مِنْ أسْرَى تَمِيمٍ أداهِمُهْ

فَرَجْنا عَنِ الأسرَى الأداهِمْ بَعدَما … تخَمّطَ، وَاشتَدّتْ عَلَيهمْ شكايمُهْ

فَتِلْكَ مَسَاعِينا قَدِيماً وَسَعْيُنَا … كَرِيمٌ، وَخَيرُ السّعي قِدْماً أكارِمُهْ

مَساعيَ لمْ يُدْرِكْ فُقَيمٌ خِيَارَها، … وَلا نَهْشَلٌ أحْجَارُهُ وَنَوايِمُهْ