لعالَّ فراقَ الحيَّ للبين عامدي – جرير

لعالَّ فراقَ الحيَّ للبين عامدي … عشية َ قاراتِ الرحيلِ الفواردِ

لعمرُ الغواني ما جزينَ صبابتي … بهنَّ ولا تحبيرَ نسجِ القصائدِ

و كمِ منْ صديقٍ واصلٍ قد قطعنهُ … وَفَتّنّ مِنْ مُستَحكِمِ الدِّينِ عابدِ

فانَّ التي يومَ الحمامة ِ قد صبا … لها قلبُ توابٍ إلى اللهِ ساجدِ

رَأيْتُ الغَوَاني مُولِعاتٍ لِذي الهَوى َ … بحسنِ المنى وَ البخلِ عندَ المواعدِ

لَقَدْ طالَ ما صِدْنَ القُلوبَ بأعيْنٍ … إلى قصبٍ زينْ البرى والمعاضدِ

أتُعْذَرُ أنْ أبْدَيْتَ، بَعدَ تَجَلّدٍ، … شوا كلِ منْ حبٍّ طريفٍ وتالدِ

وَنَطْلُبُ وُدّاً مِنْكِ لَوْ نَسْتَفِيدُهُ … لَكَانَ إلَيْنَا مِنْ أحَبّ الفَوَائِدِ

فَلا تَجمَعي ذِكْرَ الذّنُوبِ لتَبخَلى … علينا وهجرانَ المدلَّ المباعدِ

إذا أنتَ زرتَ الغانياتِ على العصا … تَمَنّينَ أنْ تُسْقى َ دِمَاء الأسَاوِدِ

أعفُّ عنِ الجارِ القريبِ مزارهُ … وَأطْلُبُ أشْطَانَ الهُمُومِ الأبَاعِدِ

لقَدْ كانَ داءٌ بالعِرَاقِ فَمَا لَقُوا … طبيباً شفى أدواءَهمْ مثلَ خالدِ

شَفاهُمْ برِفْقٍ خالَطَ الحِلْمِ وَالتّقى … و سيرة ِ مهديٍ إلى الحقَّ قاصدِ

فَإنّ أمِيرَ المُؤمِنِينَ حَبَاكُمُ … بمُسْتَبصِر في الدّينِ زَينِ المَساجِدِ

وَإنّا لَنَرْجُو أنْ تُرَافِقَ رُفْقَة ً … يَكُونُونَ للفِرْدَوْسِ أوّلَ وَارِدِ

فانَّ ابنَ عبدِ اللهِ قدْ عرفتْ لهُ … مواطنُ لا تخزيهِ عندَ المشاهدِ

فَأبْلى أمِيرَ المُؤمِنِينَ أمَانَة ً؛ … و أبلاهُ صدقاً في الأمورِ الشدائدِ

إذا ما أرادَ الناسُ منهُ ظلامة ً … أبى الضيمَ فاستعصى على كلَّ قائدِ

وَكَيفَ يَرُومُ النّاسُ شَيئاً منَعتَهُ … هوى بينَ أنيابِ الليوثِ الحواردِ

إذا جَمَعَ الأعْداءُ أمْرَ مَكِيدَة ٍ … لغدرٍ كفاكَ اللهُ كيدَ المكايدِ

تُعِدُّ سَرَابِيلَ الحَديدِ مَعَ القَنَا، … و شعثَ النواصي كالضراءِ الطواردِ

فُرُوعٍ وَأصْلٍ مِن بجيلَة َ في الذُّرى َ، … تَتَفّسَ مِنْ جَيّاشَة ٍ ذَاتِ عَانِدِ

و إنْ فتنَ الشطانُ أهلَ ضلالة ٍ … لَقُوا مِنْكَ حَرْباً حَمْيُها غيرُ بارِدِ

إذا كانَ أمْنٌ كانَ قَلبُكَ مُؤمِناً؛ … وَإنْ كانَ خوْفٌ كنتَ أحكمَ ذائِدِ

و ما زلتَ تسمو للمكارمِ والعلا … و تعمرُ عزاً مستنيرَ المواردِ

إذا عُدّ أيّامُ المَكارِمِ فَافْتَخِرْ … بآبَائِكَ الشُّمّ، الطّوَالِ السّوَاعِدِ

فكمْ لكَ من بانٍ طويلٍ بناؤهُ … وَفي آلِ صَعْبٍ من خطيبٍ وَوَافِدِ

يسركَ أيامَ المحصبِ ذكرهمْ … وَعِنْدَ مَقَامِ الهَدْيِ ذاتِ القَلائِدِ

تمكنتَ في حيْ معدٍّ منَ الذرى … وَفي يَمَنٍ أعْلى كَرِيمِ المَوَالِدِ

فروعٍ وأصلِ منْ بحلية َ في الذذرى … إلى ابنِ نِزَارٍ كانَ عَمّاً، وَوَالِدِ

حميتَ ثغورَ المسلمينَ فلمْ تضعْ … ومَا زِلْتَ رَأساً قائداً وَابنَ قَائِدِ

فإنّكَ قَدْ أُعطِيتَ نَصراً على العِدى … فأصْبَحتَ نُوراً ضَوْءُهُ غيرُ خامِدِ

بنيتَ بناءً ما بنى الناسُ مثلهُ … يَكادُ يُسَاوى سُورُهُ بالفَرَاقِدِ

و أعطيتَ ما أعيَ القرونَ التي مضتْ … فنحمدُ مفضالاً وليَّ المحامدِ

فانَّ الذي أنفقتَ حزمٌ وقوة ٌ … فأبشرْ بأضعافٍ منَ الربح زائدِ

لَقَدْ كانَ في أنْهَار دِجْلَة َ نِعْمَة ٌ … وحُظْوَة ُ جَدٍّ للخَليفَة ِ صَاعِدِ

عطاءَ الذي أعطى الخليفة َ ملكهُ … و يكفيهِ تزفارُ النفوسِ الحواسدِ

جرتْ لكَ أنهارٌ بيمنٍ وأسعدٍ … إلى جَنّة ٍ في صَحْصَحانِ الأجالِدِ

ينتبنَ أعناباً ونخلاً مباركاً … وَأنْقَاءَ بُرٍّ في جُرُونِ الحَصَائِدِ

إذا ما بعثنا رائداً يبتغي الندى … أتانا بحمدِ اللهِ أحمدُ رائدِ

فهلْ لكَ في عانٍ وليسَ بشاكرٍ … فتُطْلِقَهُ مِنْ طُولِ عَضّ الحدائدِ

يعود وَ كانَ الخبثُ منهُ سجية ً … وَإنْ قالَ: إنّي مُعْتِبٌ غَيرُ عَائِدِ

نَدِمْتَ، وَمَا تُغني النّدامَة ُ بَعْدَمَا … تطَوّحْتَ مِن صَكّ البُزَاة ِ الصّوَائدِ

وَكَيفَ نَجَاة ٌ للفَرَزْدَقِ بَعْدَمَا … ضَغَا وَهوَ في أشْداقِ أغْلَبَ حارِدِ

ألَمْ تَرَ كَفَّيْ خَالِدٍ قَدْ أفادَتَا … على الناسِ ردفاً منْ كثيرِ الروافد

بني مالكٍ إنَّ الفرزدقَ لمْ يزلْ … كسوباً لعارِ المخزياتِ الخوالدِ

فلا تقبلوا ضربَ الفرزدقِ إنهُ … هوَ الزيفُ ينفي ضربهُ كلُّ ناقدِ

و إنا وجدنا إذْ وفدنا عليكمُ … صدورَ القنا والخيلَ أنجحَ وافدِ

ألمْ ترَ يربوعاً إذا ما ذكرتهمْ … وَأيّامَهُمْ شَدّوا مُتُونَ القَصائِدِ

فمَنْ لكَ، إنْ عَدّدتَ، مثلَ فوَارِسي … حَوَوْا حَكَماً وَالحَضرَميَّ بنَ خالِدِ

أسالَ لهُ النهرَ المباركَ فارتمى … بمِثْلِ الرّوَابي المُزْبِداتِ الحَوَاشِدِ

فَزِدْ خالِداً مثلَ الذي في يَميِنهِ، … تَجِدْهُ عَنِ الإسْلامِ أكْرَمَ ذائِدِ

كأني ولا ظلماً أخافُ لخالدٍ … منَ الخوفِ أسقى منْ سمامِ الأساودِ

وَإنّي لأرجُو خالِداً أن يَفكّني، … و يطلقَ عنيَّ مقفلاتٍ الحدائدِ

تكشفتِ الظلماءُ عن نورِ وجههِ … لِضَوْء شِهَابٍ ضَوْءُهُ غَيرُ خَامِدِ

ألا تَذكُرُونَ الرِّحْمَ أوْ تُقْرِضُونَني … لكمْ خلقاً منْ واسعِ الخلقِ ماجدِ

لكُمْ مثلُ كَفّيْ خالِدٍ حينَ يَشتري … بكل طريفٍ كلَّ حمدٍ وتالدِ

فإنْ يَكُ قَيْدي رَدَّ هَمّي فرُبّمَا … تَنَاوَلْتُ أطْرَافَ الهُمومِ الأباعِدِ

مِنَ الحامِلاتِ الحَمدِ لما تَكَشّفَتْ … ذلاذلها واستورأتْ للمناشدِ

فهلْ لابنِ بلاءٍ غيرَ كلَّ عشية ٍ … و كلَّ صباحٍ زائدٍ غيرْ عائدِ

يقولُ ليَ الحدادُ هلْ أنتَ قائمٌ … و ما أنا إلاَّ مثلُ آخرَ قاعدِ

كأني حروري ضلهُ فوقَ كعبة ٍ … ثَلاثُونَ قَيْناً مِنْ صَرِيمٍ وَكايِدِ

و ما إنْ بدينٍ ظاهرُ وا فوقَ ساقهِ … و قدْ علموا أنْ ليسَ ديني بنافدِ

و يروى على الشعرَ ما أناقلتهُ … كمعترضٍ للريحِ بينَ الطرائدِ