لأمدحن بني المهلب مدحة – الفرزدق
لأمْدَحَنّ بَني المُهَلَّبِ مِدْحَةً … غَرّاءَ ظَاهِرَةً على الأشْعَارِ
مِثْلَ النّجُومِ، أمامَها قَمَرٌ لهَا … يجلو الدُّجى وَيُضِيءُ لَيلَ السارِي
وَرِثوا الطِّعانَ عن المُهلّبِ وَالقِرَى … وَخَلائِقاً كَتَدَفّقِ الأنْهَارِ
أمّا البَنُونَ، فإنّهُمْ لمْ يُورَثُوا … كَتُرَاثِهِ لِبَنِيهِ يَوْمَ فَخَارِ
كلَّ المكارِمِ عَن يَديهِ تَقَسّموا … إذْ ماتَ رِزْقُ أرَامِلِ الأمْصَارِ
كانَ المُهَلّبُ للعِرَاقِ سَكِينَةً، … وَحَيَا الرّبِيعِ وَمَعْقِلَ الفُرَّارِ
كَمْ مِنْ غِنىً فَتَحَ الإلَهُ لهم بهِ … وَالخَيْلُ مُقْعِيَةٌ على الأقْتَارِ
وَالنَّبلُ مُلجَمَةٌ بِكُلّ مُحَدرَجٍ … منْ رِجلِ خاصِبَةٍ من الأوْتارِ
أمّا يَزِيدُ، فإنّهُ تَأبَى لَهُ … نَفْسٌ مُوَطَّنَةٌ على المِقْدَارِ
وَرّادَةٌ شُعَبَ المَنِيّةِ بِالقَنَا، … فَيُدِرُّ كُلُّ مُعَانَدٍ نَعّارِ
شُعَبَ الوَتِينِ بِكُلّ جائِشَةٍ لهَا … نَفَثٌ يَجيشُ فَماهُ بالمِسْبارِ
وَإذا النفوسُ جشأنَ طامنَ جأشهَا … ثِقَةً بِهَا لحِمَايَةِ الأدْبَارِ
إني رَأيْتُ يَزيِدَ عِنْدَ شَبَابِهِ … لَبِسَ التّقَى، وَمَهَابَةَ الجَبّارِ
مَلِكٌ عَلَيْهِ مَهَابَةُ المَلِكِ التقى … قَمَرُ التّمامِ بهِ وَشَمْسُ نَهارِ
وَإذا الرّجالُ رَأوْا يَزِيدَ رَأيتَهُمْ … خُضُعَ الرّقاب نَوَاكِسَ الأبصَارِ
لأغَرَّ يَنْجَابُ الظّلامُ لِوَجْهِهِ … وَبهِ النّفوسُ يَقَعنَ كلَّ قَرَارِ
أيَزِيدُ إنّكَ للمُهَلّبِ أدْرَكَتْ … كَفّاك خَيْرَ خَلائِقِ الأخْيَارِ
مَا مِنْ يَدَيْ رَجُلٍ أحَقّ بما أتَى … من مَكُرماتِ عَظايمِ الأخطارِ
مِنَ ساعِدَينِ يَزِيدَ يَقدَحُ زَندَه … كَفّاهُما وَأشَدّ عَقْدِ جِوَارِ
وَلَوَ أنّهَا وُزِنَتْ شَمَامِ بِحِلْمهِ … لأمَالَ كُلَّ مُقِيمَةٍ حَضْجَارِ
وَلَقَدْ رَجَعتَ وَإنّ فارِسَ كُلَّها … مِنْ كُرْدِها لخوَائِفُ المُرّارِ
فَتَرَكْتَ أخْوَفَها وَإنّ طَرِيقَها … لَيَجُوزَهُ النّبَطيُّ بِالقِنْطارِ
أمّا العرَاقُ فلمْ يكُنْ يُرْجَى بهِ، … حَتى رَجَعْتَ، عَوَاقِبُ الأطْهارِ
فَجَمَعتَ بَعْدَ تَفَرّقٍ أجنادَهُ … وَأقَمْتَ مَيْلَ بِنَائِهِ المُنْهَارِ
وَلْيَنزِلَنّ بجِيلِ جَيْلانَ الّذِي … تَرَكَ البُحَيْرَةَ، مُحصَدَ الأمْرَارِ
جَيشٌ يَسيرُ إلَيهِ مُلتمِسَ القِرَى … غَصْباً بِكُلّ مَسَوَّمٍ جَرّارِ
لَجِبٍ يَضِيقُ به الفضَاءُ إذا غدَوْا … وَأرَى السّمَاءَ بِغَابَةٍ وَغُبَارِ
فِيه قَبائِلُ مِنْ ذَوِي يَمَنٍ لَهُ … وَقُضَاعَةَ بنِ مَعَدّها وَنِزَارِ
وَلَئنْ سَلِمتَ لتَعطِفنّ صُدورَها، … للتُّرْكِ، عِطْفَةَ حَازِمٍ مِغْوَارِ
حَتى يَرَى رَتْبِيلُ مِنْهَا غَارَةً … شَعْوَاءَ غَيْرَ تَرَجّم الأخْبَار
وَطِئَتْ جِيادُ يَزِيدَ كُلَّ مَدينَةٍ … بَينَ الرُّدُومِ وَبَينَ نَخلِ وَبارِ
شُعْثاً مُسَوَّمَةً، عَلى أكْتَافِهَا … أُسْدٌ هَوَاصِرُ للكُمَاةِ ضَوَارِ
ما زَالَ مُذْ عَقَدَتْ يَداهُ إزَارَهُ … فَدَنَا فأدرَكَ خَمسَةَ الأشْبَارِ
يُدني خَوَافقَ من خَوَافقَ تَلتَقي … في كُلّ مُعتَبَطِ الغُبارِ مُثَارِ
وَلَقَدْ بَنى لبَني المُهَلّبِ بَيتَهمْ … في المَجدِ أطوَلُ أذرُعٍ وَسَوَارِي
بُنِيَتْ دَعَائِمُهُ على جَبَلٍ لهمْ … وَعلَتْ فَوَارِعُهُ على الأبْصَارِ
تَلقَى فَوَارِسَ للعَتِيكِ كأنّهُمْ … أُسْدٌ قَطَعْنَ سَوَابِلَ السُّفّارِ
ذَكَرَينِ مُرْتَدِفَينِ كُلّ تَقَلّصٍ … ذَكَرٍ شَديدِ إغارَةٍ الإمْرَارِ
حَملوا الظُّباتِ على الشؤون وأقسموا … لَيُقنِعُنّ عِمَامَةَ الجَبّارِ
صَرَعوهُ بيْنَ دكادِكٍ في مَزْحَفٍ … للخَيْلِ يُقحِمُهُنّ كلَّ خَبارِ
مُتَقَلّدي قَلَعِيّةٍ وَصَوَارِمٍ … هندِيّةٍ، وَقَدِيمَةِ الآثَارِ
وَعَوَاسِلٍ عَسْلَ الذّئابِ كأنّها … أشْطَانُ بَائِنَةٍ مِنَ الآبَارِ
يَقصِمنَ إذْ طَعَنوا بها أقَرانَهُمْ … حَلَقَ الدّرُوعِ وَهنّ غَيرُ قِصَارِ
تَلْقَى قَبَائِلَ أُمِّ كُل قَبِيلَةٍ … أُمُّ العَتِيكِ بِنَاتِقٍ مِذْكَارِ
ولَدَتْ لأزْهَر كلَّ أصْيَدَ يَبتني … بالسّيفِ يَوْمَ تَعانُقٍ وَكِرَارِ
يَحمي المكارِمَ بِالسّيوفِ إذا عَلا … صَوْتُ الظُّباتِ يُطِرْنَ كُلَّ شرَارِ
مِنْ كلّ ذاتِ حَبَائِكٍ وَمُفَاضَةٍ … بَيْضَاءَ سَابِغَةٍ على الأظْفَارِ
إنّ القُصُورَ بجِيلِ جَيلانَ الّتي … أعْيَتْ مَعاقِلُهَا بَني الأحْرَارِ
فُتِحَتْ بسَيفِ بَني المُهَلّبِ، إنّها … لله عادَتُهُمْ على الكُفّارِ
غَلَبوا بأنّهمُ الفَوَارِسُ في الوَغَى … والأكْثَرُونَ غَداةَ كُلِّ كِثارِ
وَالأحلَمونَ إذا الحُلومُ تهَزْهزَتْ … بالقَوْمِ لَيسَ حُلُومُهُمْ بِصغارِ
وَالقائِدُونَ إذا الجِيادُ تَرَوّحَتْ … وَمَضَينَ بَعد وَجىً على الحِزْوَارِ
حتى يَرِعْنَ وَهُنّ حَوْلَ مُعَمَّمٍ … بالتّاجِ في حَلَقِ المُلوكِ نُضَارِ