قل للخيال إذا أردت فعاود – البحتري
قُلْ للخَيالِ، إذا أرَدتَ، فعَاوِدِ، … تُدْنَ المَسَافَةُ من هَوًى مُتَباعِدِ
فلأنْتَ في نَفِسي، وإنْ عَنّيْتَني … وَبَعَثْتَ لي الأشجانَ، أحْلَى وافدِ
باتَتْ بأحْلامِ النّيامِ تَغُرُّني … رَوْدُ التّثَنّي، كالقَضِيبِ المائِدِ
ضَاهَتْ بحُلّتِهَا تلهب خَدّهَا، … حتّى اغتدتْ في أرْجُوَانٍ جاسِدِ
لتَجُدْ أهاضِيبُ السّحابِ على اللّوَى، … وَعلى تَنَاضُرِ نَبْتِهِ المُسْتأسِدِ
كانَ الوِصَالُ بُعَيْدَ هَجرٍ مُنقضٍ … زَمَنَ اللّوَى، وَقُبَيْلَ بَينٍ آفدِ
ما كانَ إلاّ لَفْتَةً مِنْ نَاظِرٍ … عَجِلٍ بها، أوْ نَهْلَةً مِنْ وَارِدِ
هلْ أنتَ من برج الصّبَابَةِ عاذري، … أمْ أنْتَ من شكوى الصّبَابَةِ عائِدي
شَوْقٌ تَلَبّسَ بالفُؤادِ دَخيلُهُ، … والشّوْقُ يُسرِعُ في الفؤادِ الوَاجِدِ
قَصَدتْ لنَجرَانِ العِرَاقِ رِكابُنا، … فطْلُبْنَ أرْحَبَها، مَحَلّةَ ماجِدِ
آلَيتُ لا يثنَينَ جِدّاً صَاعِداً … في مَطلَبٍ، حتّى يُنَخنَ بصَاعِدِ
خِرْقٌ أضَافَ إلَيهِ عَلْتا مَذحِجٍ، … حَسَبٌ تَنَاصَرَ، كالشّهابِ الوَاقِدِ
كسب المحامد في زمان لم يبت … راجي الصريفيين فيه بحامد
أيْهاتِ يَلْحَقُ من غُبارِكَ لمحةً، … وَلَوَ أنّ في يَدِهِ عِنَانَ الذائِدِ
رَغبتْ بنَفسكَ عن خَساسةِ نَفسِهِ، … شِيَمٌ رَغِبْنَ بمُخلدٍ عن خالِدِ
وَيَرُدُّ غَرْبَ مُساجليكَ، إذا غَلوا، … سَعْيٌ أطَلْتَ بهِ عَنَاءَ الحاسِدِ
جَهِدُوا على أنْ يَلحقوكَ، وأفحشَ الـ … حـِرْمانِ يُقْدَرُ للحَرِيصِ الجاهِدِ
نبهت ديوان الضياع وقد علت … أسبابه سنة الحسير الهاجد
بصَرِيمَةٍ، كالسّيفِ هَزّ غِرَارَهُ … ماضِي الجَنانِ بهِ، طَوِيلُ السّاعِدِ
وإذا قَسَطْتَ على العَزِيزِ، صَغَا به … ذُلٌّ إلَيْكَ، وَطاعَ غَيرَ مُعانِدِ
وَإذا طَلَبْتَ الفَيْءَ طِيرَ بِقَائِمٍ … مِمّنْ تُطَالِبُهُ، وَقِيمَ بقاعِدِ
لله أنْتَ ضِيَاءُ خَطْبٍ مُظْلِمٍ، … حتّى انجَلى، وَصَلاحُ أمرٍ فاسِدِ
كمْ نِعْمَةٍ لكَ لمْ تخَلْها تُلتَوي، … باتَتْ تُقَلْقَلُ طَوْعَ بَيْتٍ شارِدِ
سَيّرْتَ عاجِلَ ذِكْرِها بغَرَائِبٍ، … يَطْلُبنَ قاصِيَةَ المَدَى المُتَبَاعِدِ
وأرَى المُقِرَّ بِنعْمَةٍ ما لمْ يَسِرْ … في النّاسِ حُسنُ حديثِها كالجاحِدِ
لي ما عَلِمتَ من اتّصالِ مَوَدّةٍ، … وَمُقَدَّمَاتِ رَسائِلٍ، وَقَصَائِدِ
وأقَلُّ ما بَيني وَبَيْنَكَ أنّنَا … نَرْمي القَبَائِلَ عَنْ قَبِيلٍ وَاحِدِ