قليل لها أني بها مغرم صب – البحتري

قَليلٌ لهَا أنّي بِهَا مُغرَمٌ صَبُّ … وَإن لم يُقارِفْ غيرَ وَجدٍ بها القَلْبُ

بذَلتُ الرّضَا حتّى تَصَرّمَ سُخطُها، … وَللمُتَجَنّي، بَعدَ إرْضَائِه، عَتْبُ

وَلمْ أرَ مثلَ الحُبّ صَادَ غُرُورُهُ … لَبيبَ الرّجالِ، بَعدَ ما اختُبرَ الحُبُّ

وَإنّي لأشْتَاقُ الخَيَالَ وأُكْثِرُ الـ … ـزّيَارَةَ مِنْ طَيْفٍ، زِيارَتُهُ غِبُّ

ومِنْ أينَ أصْبُو بَعدَ شَيبي، وبَعدَما … تألّى الخَليُّ، أنّ ذا الشَّيبَ لا يَصْبُو

أسَالِبَتي حُسْنَ الأسى، ومُخيفَتي … على جَلَدي تِلكَ الصّرَائمُ وَالكُثبُ

رَضِيتُ اتّحادي بالغَرَامِ، ولَمْ أُرِدْ … إلى وَقْفَتي في الدّارِ أنْ يقِفَ الرّكبُ

وَلَوْ كنتُ ذا صَحْبٍ عَشِيّةَ عَزّني … تَحَدُّرُ دَمعِ العَينِ، عنّفني الصّحبُ

لقَد قَطَعَ الوَاشِي بتَلفيقِ ما وَشَى … منَ القَوْلِ، ما لا يقطعُ الصّارِمُ العَضْبُ

فأصْبَحتُ في بَغدادَ لا الظّلّ وَاسعٌ؛ … وَلا العَيشُ ظِلٌّ غض غُضَارَتهِ، رَطبُ

أأمْدَحُ عُمّالَ الطْساسيجِ رَاغِباً … إلَيهمْ وَلي بالشّام مُستَمتَعٌ رَغْبُ

فأيْهاتِ مِنْ رَكْبٍ يُؤدّي رِسَالَةً … إلى الشّامِ، إلاّ أنْ تُحَمَّلَها الكُتبُ

وعِندَ أبي العَبّاسِ، لَوْ كانَ دَانِياً، … نَوَاحي الفِناءِ السّهلِ وَالكنَفُ الرّحبُ

وَكَانَتْ بَلاءً نِيّتي عَنْهُ، وَالغِنى … غِنى الدّهرِ، أدْنَى ما يُنَوَّلُ أوْ يحبو

وَذو أُهَبٍ للحَادِثَاتِ بِمِثْلِها … يُزَالُ الطخى عَنّا وَيُستَدفعُ الكَرْبُ

سُيوفٌ لها في عُمرِ كلّ عِدًى رَدًى، … وَخَيلٌ لها في دارِ كلّ عِدًى نَهبُ

علَتْ فوْقَ بَغرَاسٍ، فضَاقتْ بما جنتْ … صُدورُ رِجالٍ، حينَ ضَاقَ بها الدّرْبُ

وَثَابَ إلَيْهِمْ رَأيُهُمْ، فَتَبَيّنُوا، … على حينِ حال، أنّ مَرْكبَهم صَعبُ

وكانوا ثمود الحجر حق عليهم … وقوع العذاب والخصي لهم سقب

تَحَنّى عَلَيْهِمْ، وَالمَوارِدُ سَهلَةٌ، … وَأفرَجَ عَنهُمْ بعدَما أعضَلَ الخَطبُ

ولو حضرته أنثياه استقلتا … إلى كليتيه حين أزعجه الرعب

فَما هُوَ إلاّ العَفْوُ عَمّتْ سَمَاؤهُ، … أوِ السّيفُ عُرْيانَ المَضَارِبِ، لا يَنبُو

وَما شَكّ قَوْمٌ أوْقَدوا نَارَ فِتْنَةٍ، … وَسرْتَ إليهمْ، أنّ نارَهُمُ تَخبُو

كأنّ لمْ يَرَوْا سيما الطّوِيلِ وَجَمعَهُ، … وَما فَعَلَتْ فيهِ، وَفي جَمعِهِ الحرْبُ

وخَارِجَ بَابِ البَحرِ أُسْدُ خفية، … وَقد سدّ قُطرَيهِ، على الغَنَمِ، الزَّرْبُ

تَحَيّرَ في أمْرَيْهِ، ثُمّ تَحَبّبَتْ … إلَيهِ الحَياةُ، ماؤها عَلَلٌ سَكْبُ

وَقد غَلُظَتْ دونَ النّجاةِ التي ابتَغى … رِقابُ رِجالٍ، دونَ ما مُنعَتْ غُلبُ

تكَرّهَ طَعمَ الموت والسّيفِ آخِذٌ … مُخَنَّقَ لَيثِ الحَرْبِ حاصَلهُ كَلبُ

وَلوْ كانَ حْرّ النْفسِ، والعيشُ مُدبرٌ، … لمَاتَ، وَطَعمُ المَوْتِ، في فمهِ، عَذْبُ

وَلَوْ لَمْ يُحَاجِزْ لُؤلُؤٌ بِفِرَارِهِ، … لَكانَ لصَدْرِ الرّمحِ في لؤلوءٍ ثَقبُ

تَخَطّأ عَرْضَ الأرْضِ، رَاكبَ وَجهه، … ليَمنَعَ منهُ البُعدُ ما يَبذُلُ القُرْبُ

يحبُ البِلادَ وَهيَ شَرْقٌ لشَخصِهِ، … ويُذْعَرُ مِنها وَهيَ منْ فَوْقهِ غَرْبُ

إذا صار سهبا عاد ظهراً عدوه … وكان الصديق غدوة ذلك السهب

مَخاذيلُ لمْ يَسْتُرْ فَضَائحَ عجزهِمْ … وفَاءٌ، وَلمْ يَنْهَضْ بغِدْرِهِم شغبُ

أخافُ كأنّي حامِلٌ وِزْرَ بَعضِهِمْ … منَ الذّنْبِ، أوْ أنّي لبَعضِهِم إلْبُ

ومَا كانَ لي ذَنْبٌ، فأخشَى جَزَاءَهُ، … وَعَفوُكَ مَرْجُوٌّ، ولوْ كانَ لي ذَنْبُ