قلبي وسمعي في شغل عن الفند – لسان الدين الخطيب

قلبي وسمعي في شغل عن الفند … فأقصر اللوم عني اليوم أو فزد

قد كنت أصغي لما توحي إلي به … لو كان قلبي قبل اليوم طوع يدي

وكم كتمت وأسررت الهوى زمنا … طي الجوانح حتى خانني جلدي

وشيمة النفس إن أخفت سريرتها … بدت شواهدها يوما على الجسد

قالوا الهوى بعد بعد الدار منتكث … فقلت هذا قياس غير مطرد

سلوا عن الحب من قلبي مجربه … فما المقلد يوما مثل مجتهد

سقى الإله زمان الوصل صوب حيا … جون الربابة لا نزر ولا ثمد

وجاد ربعا على أكناف كاظمة … كنا به من لذيذ العيش في رغد

والكأس تجلى عروسا في منصتها … والروض يرفل في أثوابه الجدد

والسحب تبكي وثغر الزهر مبتسم … والنرجس الغض ساه والغمام ند

عهود أنس وأيام لنا انصرمت … أخنى عليها الذي أخنى على لبد

ما للزمان رمت نحوي نوائبه … فأقصدتني بلا عقل ولا قود

وسدد الدهر دوني كل شاحبة … زرقاء أسمى شباها فلذة الكبد

سطا علي وقد قل النصير وهل … يرجى الغناء لدى كف بلا عضد

وسار أبناء دهري في سيرته … ويشبه الأب حقا منجب الولد

تخذتهم عدة للدهر فانقلبوا … وهم علي لدهري أعظم العدد

من منصف بين آمالي وغايتها … فقد تجاوزن في مطلي على الأمد

كأنني لم أنط بالنجم من هممي … ولم أسر في المعالي سير متئد

ولا اتخذت من الأنصار لي وزرا … فكان يوسف بعد الله معتمد

ولا نظمت على لباته مدحي … نظم الحلي على لبات ذي غيد

خليفة من صميم العرب دوحته … فيها انتهى المجد مستوفى ومنها بدي

في كفه لبني الآمال بحر ندى … عذب المذاقة هين غير ذي زبد

لو أن راحته فاضت أناملها … في الغيث لم يقتصر يوما على بلد

إن أبهم الخطب أذكى في دجنته … رأيا يفرق بين الغي والرشد

وإن عدا الدهر أبدى من أسرته … وكفه رأي حيران وريى صد

وإن نظرت إلى لألاء غرته … يوم الهياج رأيت الشمس في الأسد

حتى إذا محص الله القلوب بها … ولا دفاع لحكم الواحد الصمد

وقفت والروع قد ماجت جوانبه … بحيث لا والد يلوي على ولد

وصلت يوم التقى الجمعان منصلتا … كالصقر في السرب أو كالليث في النقد

فأصبح دين الله لا تخفى معالمه … وأصبح الملك مرفوعا على عمد

إن الحروب سجال طالما وهبت … في اليوم فرصتها واسترجعت لغد

لا يغرر الروم ما نالوا وما فعلوا … فإن ذلك إملاء إلى أمد

فللقلوب من الغماء منصرف … بما تقدم في بدر وفي أحد

وإن دون طلاب الثأر أسد وغى … من قومك الغر أو آبائك النجد

قد أقلعوا كل مشحوذ الغرار إلى … شن الغوار وسلوا كل ذي ميد

والعزم باد وصنع الله مرتقب … والفتح منتظر إن لم يحن فقد

وعادة النصر لا تستبط مقدمها … إن لم توافك في سبت ففي أحد

وهاكها من بنات العرب ساحرة … هيفاء تختال بين الدل والغيد

ولست يوما على شعر بمقتصر … ولا بأبيات منظوم بمنفرد

وإنما أنا روض والعلوم له … غيث فأي جنى إن شئته تجد

بقيت في ظل ملك غير منصرم … مصاحب غير محصور إلى أمد