قد كان طيفك مرة يغرى بي – البحتري
قَدْ كَانَ طَيْفُكِ مَرّةً يُغرَى بي، … يَعتَادُ رَكْبي طارِقاً، وَرِكَابي
فالآنَ، ما يَزْدارُ غَيرَ مَغَبّةٍ، … وَمنَ الصّدُودِ زِيَارَةُ الإغْبَابِ
جِئْنَا نُحَيّي مِنْ أثِيلَةَ مَنْزِلاً … جُدُداً مَعَالِمُهُ، بذي الأنْصَابِ
أدّى إليّ العَهْدَ مِنْ عِرْفَانِهِ … حتّى لَكَادَ يَرُدُّ رَجْعَ جَوَابي
سَدِكُ النّساءِ بنا مَلامَةُ عانس … نَلحي على غَزَلٍ، وَصَدِّ كَعابِ
مازَالَ صَرْفُ الدّهرِ يوكسُ صَفقَتي … حتّى رَهَنتُ على المَشِيبِ شَبابي
أفَحَظَّ نَفسِي ظِلتُ أُنْقِصُ أُمْ عَلى … نَفسي، غَدَاتَئِذٍ، غَدَوْتُ أُحابي
وَعَذَلتَني أنْ أدْرَكَتني صَبْوَةٌ … خَلُصَتْ إلى داودَ المِحرَابِ
وَمُلَوَّمٍ في الحبّ قلتُ، وأرْسَلَتْ … عَيْنَاهُ وَاكِفَ أدْمُعٍ أسْرَابِ:
لوْ كنتَ تُؤثِرُ بالصّبَابَةِ أهْلَها، … لَتَرَكتَ ما بكَ من جَوَاكَ لِما بي
مَنْ مُخبِرِي بابنِ المُدَبِّرِ والوَغى … تُزْجِي أوَاخِرَ قَسطَلٍ مُنجابِ
غَضْبَانَ تُجلى، عَن وَقائِعِ سَيفِهِ، … عَكَرَاتُ حُمسٍ في الجديدِ غِضَابِ
خِرْقٌ تَغَيّبَ ناصرُوهُ، وأُحضرَتْ … أعداؤهُ، واليَوْمُ يَوْمُ غِلاَبِ
آساهُ نِصْلُ السّيفِ، لا صَدرُ الفتى … حَرِجاً، ولا صَدرُ الحُسامِ بِنَابِ
لَوْ أنّهُ استامَ النّجَاةَ لنَفْسِهِ، … وَجَدَ النّجاةَ رَخيصَةَ الأسْبَابِ
لَوْ أسْعَدَتْهُ خَيْلُهُ لَتَتَابَعَتْ … آلافُ قَتْلى بَذّةِ الأسْلابِ
إنّ المُشَيَّعَ لا يُبِيرُ عَدُوَّهُ، … حتّى يَكُونَ مُشَيَّعَ الأصْحَابِ
نَصَبَتْ جَبينَكَ للسّيُوفِ حَفيظةٌ … جرت علَيكَ نَفَاسَةَ الهُرّابِ
وأبَيْتَ إعْطَاءَ الديّنيَةِ دونَهُمْ، … إنّ الأبيّ لأنْ يُعَيَّرَ آبِ
وَمُبينَةٍ شَهَرَ المَنَازِلَ وَسْمُهَا، … والخَيلُ تكبو في العَجاجِ الكابي
كانتْ بوَجهكَ دونَ عِرْضِكَ إذا رأوْا … أنّ الوُجُوهَ تُصانُ بالأحسابِ
وَلئن أُسرْتَ فما الإسارُ على امرِىءٍ، … نَصَرَ الإسَارَ على الفِرَارِ، بِعابِ
لَوْ كانَ غيرُكَ كان مُنخزِلَ القوَى … عَمّا مضى بكَ، ضَيّقَ التِلبابِ
نامَ المُضَلِّلُ عن سُراكَ وَلم يَخفْ … سِنَةَ الرّقيبِ، وَنَشوَةَ البَوّابِ
وَرَأى بأنّ البابَ مَذهبُكَ الذي … يُخشَى، وَهَمُّكَ كانَ غَيرَ البابِ
فرَكِبْتَها هَوْلاً، متى تُخْبِرْ بها … يَقُلِ الجَبَانُ: أتَيتَ غَيرَ صَوَابِ
ما رَاعَهُمْ إلاّ امترَاقُكَ مُصْلَتاً … منْ مِثلِ بُرْدِ الأرْقَمِ المُنْسَابِ
تَحمي أُغَيْلَمَةً، وطائشَةُ الخُطَى … تَصِلُ التّلَفّتَ خَشيَةَ الطّلاّبِ
تَرْتَاعُ من وَهَلٍ، وتأنَسُ أن تَرَى … قَمَراً يَنُوءُ ببَاتِكٍ قَضّابِ
شَهِدَتْهُ يَوْمَ الهِندُوانِ ولم تكن، … لتبيعه باليوم في دولاب
ورأت جلاد محبب لم تخزه … يَوْماً، مَواقِفُهُ لدَى الأحبابِ
قد كانَ يَوْمُ ندًى بطَوْلكَ راهنٌ … حتّى أضَفْتَ إلَيْهِ يَوْمَ ضِرَابِ
ذِكْرٌ من البأسِ استَعَرْتَ إلى الذي … أُعطيتَ في الأخلاقِ، والآدابِ
وَجَديدُ شُغْلٍ للقَوَافي زَائِدٍ، … فيمَا ابتَغيْتَ لها مِنَ الإسْهَابِ
وَفَرِيضَةٌ أنْتَ استَنَنْتَ بَديئَها، … لَوْلاكَ ما كُتبَتْ على الكُتّابِ