في المقهى – جمال مرسي

في مقعدٍ هادئٍ في الركنِ مُسْتَتِرِ … نَأَىَ بعيداً عن الفوضى ، عنِ النَّظَرِ

عيناهُ في مدخلِ المقهى تُراقبُهُ … هذا يروحُ ، وذا يرتادُ في خَفَرِ

وذا يميلُ مع الألحانِ في طَرَبٍ … وذاك يَغرِقُ في بحرٍ من الفِكَرِ

طوْراًَ يُحَمْلِقُ في الجُدرانِ يرسُمُها … وتارةً راكزاً عينيه في السُّتُرِ

يكادُ تفضِحُهُ عينُ الهوى ‘ و فَمٌ … يُتَمْتِمُ اْسمَ التي أَعْيَتْهُ بالسَّهَرِ

والوقتُ يمضي بطيئاًً مثلَ مُذنبةٍ … سِيقَتْ إلى غُرفةِ الإِعدامِ في خَوَرِ

في كُلِّ ثانيةٍٍ يرنو لساعتِهِ … كأنَّما عقربُ السَّاعاتِ في سَفَرِ

يا أيُّها النادلُ السَّاعِي لخِدمَتِنا … هلاَّ أَتَيْتَ بِفنجانٍ من الصَّبَرِ

فقد شربتُ كؤوسَ الإنتظارِ ‘ وما … هلَََََّت حبيبةُ قلبي ، مُهجتى ،عُمُري

أرى المكانَ وقد غابتْ مُعَلِّلَتِي … أمسى كمثلِ الدُّجَى في غَيْبَةِ القَمَرِ

فلا جَمَالٌ ، و لا نُورٌ أُحِسُّ بِهِ … ولا أَشُمُّ أَرِيجَ العِطرِ في الزَّهَرِ

و لَسْتُ أسمَعُ من أنغامِ صادحةٍ … هُناكَ غيرَ صدى الآلامِ و الضَّجَرِ

يا أيُّها النادِلُ الغادي بقهوتِهِ … زِدْنِي ، فإنِّي أرى مُكْثي إلى السَّحَرِ

مالي أراكَ و لم تبرحْ تُحَدِّقُ في … مُتَيَّمٍ بلهيبِ العشقِ مُسْتَعِرِ

أَمُشْفِقٌ أنتَ ، أمْ أبْصَرْتَ مُعجزةً … كما يُرى اْلماءُ في عينٍ من الحَجرِ

أَما رُمِيتَ بسهمِ العشقِ في كَبِدٍ … مثلي ، فصرتَ أسير الهُدبِ و الحَوَرِ

أما أُسِرْتَ ، و بعضُ الأسرِ نعشقُهُ … نسعى إليهِ بلا حِرصٍ و لا حَذَرِ

أما رأيتَ التي رقَّ الفؤادُ لها … و ليسَ يُشبِهُها نفسٌ من البَشَرِ

لو كنتَ أبصَرتَها ، ما كُنتَ تعذلني … و لا وَصَفْتَ الهوى بالحُمقِ و الهَذَرِ

شَعْرٌ تَدَلَّى على أكتافِها مَرِحاً … يزهو بِسُمْرَتِهِ ، يزدانُ بالدُّرَرِ

كأنَّهُ موجةٌ تجري ، و تتبعُها … أخرى ، فتهربُ للشُطآنِ و الجُزُرِ

و الوجهُ واحةُ فُلٍّ في تأنُّقِهِ … و الخَدُّ روْضةُ كَرْزٍ باسِمٍ نَضِرِ

و الثَّغرُ ياقوتةٌ حمراءُ ، راقَصَها … ضوءُ النَّهارِ على ترنيمةِ الوَتَرِ

يا لائمي في الهوى ،إنَّ الهوى قَدَرٌ … إنْ كنتَ تؤمنُ يا “جرسونُ” بالقَدَرِ

فاْذهَبْ و دَعْنِي وحيداً في تَرَقُّبِها … حانَ اللقاءُ ، لقاء الأرضِ بالمَطَرِ