فداؤك نفسي دون رهطي ومعشري – البحتري

فِدَاؤكَ نَفسِي، دونَ رَهطي وَمَعشرِي، … وَمَبدايَ مِنْ عَلْوِ الشّآمِ، ومحْضرِي

فكم شِعبِ جودٍ يَصْغُرُ البحرُ عندَهُ … توَرّدْتُهُ مِنْ سَيْبِكَ المُتَفَجِّرِ

وَكمْ أمَلٍ في سَاحَتَيكَ غَرَسْتُهُ، … فمِنْ مُورِقٍ أذكي النّبَاتِ، وَمُثْمِرِ

فَلا يَهنىءِ الوَاشِينَ إفْسَادُ بَيْنِنَا، … بأسْهُمِهِمْ مِنْ بَالغٍ وَمُقَصِّرِ

تَقَدّمتَ في الهِجرانِ، حتّى تأخّرَتْ … حُظوظيَ في الإحسانِ كُلَّ التّأخّرِ

وَلَوْلاَكَ ما رُمْتُ القَطيعَةَ، بَعد َما … وَقَفْتُ عَلَيْهَا وِقْفَةَ المُتَحَيّرِ

وَكنتُ إذا استَبطأتُ وِدّكَ زُرْتُهُ … بتَفْوِيفِ شِعْرٍ، كالرّداءِ المُحَبَّرِ

لأسمَعْتَني في ظُلمَةِ الهَجرِ دَعْوَةً … على الهجر في وَقْتٍ من العَفْوِ، مُقْمِرِ

أتَيْتَ بمَعْرُوفٍ من الصّفْحِ، بعدَ ما … أتَيْتَ بمَذمومٍ من الغَدْرِ، مُنْكَرِ

عِتابٌ بأطْرَافِ القَوَافي، كأنّهُ … طِعَانٌ بأطْرَافِ القَنَا المُتَكَسِّرِ

وأجلُو بهِ وَجْهَ الإخَاءِ، وأجْتَلِي … حَيَاءً كَصِبغِ الأُرْجُوَانِ المُعَصْفَرِ

بِنِعْمَتِكُمْ، يا آلَ سَهْلٍ، تَسَهّلتْ … عَليّ نَوَاحي دَهْرِيَ المُتَوَعِّرِ

شَكَرْتُكُمُ، حتى استَكَانَ عَدُوُّكُمْ، … وَمَنْ يُولَ ما أوْلَيْتُمُوينهَ يَشْكُرِ

ألَسْتُ ابنَكُمْ، دونَ البَنينَ، وأنتُمُ … أحِبّاءُ أهلي، دونَ مَعْنٍ وَبُحتُرِ

أعُودُ إلى أفْيَاءِ أرْعَنَ شَاهِقٍ، … وأدْرُجُ في أفْنَاءِ رَيّانَ أخْضَرِ

أبا الفَضْلِ إنْ يُصبحْ فَعَالُكَ أزْهراً، … فمِنْ فَضْلِ وَجْهٍ، في السّمَاحَةِ، أزْهَرِ

وَهَبْتَ الذي لَوْ لمْ تَهَبْهُ لَما التَوَى … بكَ اللّوْمُ، إنّ العُذْرَ عندَ التّعذّرِ

فأعطَيتَ ما أعطَيْتَ، والبِشرُ شاهِدٌ … على فَرَحٍ بالبَذْلِ، منكَ، مُبَشِّرِ

وَكَانَ العَطاءُ الجَزْلُ ما لمْ تُحَلّهُ، … بِبِشْرِكَ مثلَ الرّوْضِ، غيرَ مُنَوِّرِ

وَنَيْلُكَ هذا يَشْرَكُ النّيلَ مَسْمَعاً، … وَيَفْضُلُهُ، مِن بَعدُ، في حُسنِ منظرِ

أطَعْتُ لسُلطانِ التّكَرّمِ والعُلا، … وَعاصَيتُ سُلطانَ الجَوَى، والتّذَكّرِ

فَوَالله لا أدرِي سَلَوْتُ عَنِ الهَوَى، … فأكْفَتَنِيهِ، أمْ حسدتُ ابنَ مَعْمَرِ