فتنَ الأنامَ بطرفه وبجيده – عبدالغفار الأخرس
فتنَ الأنامَ بطرفه وبجيده … وأبى الهوى إلاّ تلافَ عميده
مُتَمنِّعٌ وَعَدَ المشوقَ بزَورة ٍ … يا ليتَه ممَّن يفي بوعوده
أنّى أفوزُ بطارق من طيفه … ما دام هذا الطيف في تسهيده
رشأٌ يصولُ بحدّ صارم ناظر … وَقَفَتْ أُسُودُ الغاب عند حدوده
فليحذر الصَّمصام من لحظاته … والصعدة السمراء من أملوده
تالله ما يحي المتيَّم وصله … إلاّ مميت سلوّهِ بصدوده
شهدت محاسنه بجهل عذوله … وأقام حجّة حسنة بشهوده
ولكم عصيتُ مفنّداً في حبّه … ورأيتُ عكس الرأي في تفنيده
وأقول إذ نبتَ العذار بخدّه … وَرَد الربيع فمرحباً بوروده
ولقد ظفِرْتُ به برغم عواذلي … وضمَمْتُه ولَثِمْتُ وَرْدَ خدوده
وشكرته حرَّ الفؤاد من الجوى … شوقاً إليه فجاد في تبريده
في مجلس عبقت أرائج ندّه … وتنِفَّسَتْ فيه مباخر عوده
والليل يرفل باسوداد ردائه … والرَّوضِ يزهر باخضرار بروده
ويدير شمس الراح في غسق الدجى … نظمت قوافي الشعر في تمجيده
والنَّجمُ يرقبه بعين رقيبه … والبدر يلحظه بلحظ حسوده
والزّقُّ تصْرَعُه السُّقاة وربَّما … قَطَعَتْ يدُ الندمان حبلَ وريده
حتَّى رأيتُ يسقط فوقنا … في نثر لؤلؤه ونظم عقوده
وتفتَّحَ النّوارُ في أكمامه … فكأنَّما النّوارُ أوجهُ غيده
وإذا القيان تجاوَبَتْ بلُحونها … طَرب الحَمامُ فَلَجَّ في تغريده
سفرتْ محاسنُ زهر روض زاهر … وتمايلتْ إذ ذاك هيف قدوده
والبان يركع فالنسيم إذا سرى … وَصَلَ النسيمُ ركوعَه بسجوده
إنْ تنهبوا الّلّذات قبل فواتها … وهبَ الزّمان شقيَّه لسعيده
ودعاكم داعي الصَّبوح وإنّه … ليقوم سيفُ الصُّبح في تأييده
أو ما ترون الأقحوان وضحكه … من حَضّ داعيكم ومن تأكيده
وشقائِق النّعمان كيفَ تَضَرَّجَتْ … بدَمٍ فظنَّ الكرمُ من عنقوده
… فخذوا بكأس الراح في تجديده
يومٌ به سلمان وافى مقبلاً … قد كان للمشتاق أكبرَ عيده
قرَّتْ به عين المفارق طلعة ً … قُمْرِيَّة بحضوره وشهوده
في فقده السرور وإنّما … وجدَ السرور جميعه بوجوده
وتَوَّلَّدَ الفَرَح المقيمُ لأهْلِه … وأجادَ طيبَ العيش في توليده
فكأنَّه فَلَقُ الصَّباح إذا بدا … في رفع رايته وخفق بنوده
فالسعدُ والإقبال من خدّامه … لا بل هما في الرِقّ بعض عبيده
ما زال مجتهداً بكلّ صنيعة ٍ … يدعو الكريمُ بها إلى تقليده
المال ما ملكته راحة ُ كفه … فَدَعَتْه شيمتُه إلى تبديده
تُغني مواهبه الحطام تَكَرُّماً … نَشْراً لذكر ثنائه وحميده
إنّي لأذكره وأُنْشِدُ مَدْحَه … وأميلَ الغصن عند نشيده
ومشيد أبنية المفاخر والعلى … تسمو بيوت المجد في تشيده
إنْ عَدَّتِ الناس الفخار فإنّه … إنْسانُ مقلته وبيت قصيده
الله أكرمَ آلَ بيتِ محمّدٍ … حيث اصطفاهم من كرام عبيده
حازوا من الشرف الرفيع أبِيَّهُ … فهمُ ولاة ُ طريفه وتليده
وإذا تَوَّرثَ والدٌ منهُمْ عُلى ً … لا يورثُ العلياءَ غيرَ وليده
ما للبنين الغُرِّ من آبائه … أم أين للآباء مثل جدوده
نفسي الفداءُ له وقلَّ له الفدى … من كان للإحسان غارس عوده
الله يعْلَمُ والبريّة ُ كلُّها … أنّي أفوز بعزّه وبجوده
أقبلت إقبال السحاب تباشرت … زهر الرُّبا ببروقه ورعوده
قد غبتَ عن بغداد غيبة حاضرٍ … في فكر صاحبه وقلب ودوده
وإذا طلعتَ على الأحبَّة بعدها … فمُوفَّقٌ كلُّ إلى مقصوده
يا من يَسُرُّ الأنجبين قدومُه … كسروره بضيوفه ووفوده
فلقد ركِبْتَ الوَعَرِ غيرَ مقصّرٍ … وقَطَعْتَ يومئذٍ فدافد بيده
ولقد تَعِبْتَ فخذُ لنفسك راحة ً … وکطلق عنان الأُنس من تقييده
واسرح من الّلذات في متنزَّهٍ … خَلَطَ الغرامُ ظِباءَه بأسُوده