طرقَتْ مُنَقَّبَة ً تَرُوعُ تحجُّبا – ابن سهل الأندلسي

طرقَتْ مُنَقَّبَة ً تَرُوعُ تحجُّبا … هيهات يأبى البدرُ أن ينتقبا

و الصبحُ في حلكِ الدُّجى متنقبٌ … و حلى الدراري موشكٌ أن يُبهبا

و الفجرُ يكتبُ في صحيفة ِ أفقهِ … ألِفاً مَحَتْ نورَ الهِلالِ المُذهَبا

بيضاءُ يخفى البدرُ من إشراقها : … قصرى النجوم مع الضحى أن تغربا

وَدَّعتُها فجنيتُ من مُرّ النّوَى … حُلْوَ الوَداعِ مُنعَّماً ومُعذَّبا

شملٌ تجمعَ حينَ حانَ شتاتهُ … ويزيدُ إشراقُ السّرَاجِ إذا خَبا

ذكرى تحركني على يأسٍ كما … طربَ الكبيرُ لذكرِ أيامِ الصبا

يُسْتَثْقَلُ الخبرُ المعادُ وقَدْ أرَى … خبرَ الحبيبِ على الإعادة ِ طيبا

يحلو على تردادهِ فكأنهُ … سجعُ الحَمامِ إذا تردَّد أطْرَبا

كالأوحدِ ابن الجدّ كُرِّرَ ذكرُهُ … فأتى عَلى تكرَارِهِ مُسْتَعْذَبا

شَيْحانُ تحجُبُهُ المهابَة ُ سافِراً … أبداً ويدنيهِ السنا متحجبا

في وجههِ وبنانهِ … ما في الكواكبِ والسحائبِ والرُّبى

أعطى فَما أكدى وهبَّ فَما ونى … وجرَى فلم يُلْحَقْ وَهُزَّ فَما نبا

عقدتْ خناصرها الرجالُ لذكرهِ … و بدا فحلُّوا من مهابتهِ الحبا

تلقاهُ محبوباً على سطواتهِ … وَعَلى نَداه وبِشرِهِ مُتَهَيَّبا

كالرُّمْحِ ذا نَصْلينِ أيْنَ حنيتَه … ألْفَيْتَهُ مِنْ حومتيهِ مُذَرَّبا

كالمشرفيّ خلابة ً وذلاقة ً … أو كالزمانِ تسهُّلاً وَتَصَعُّبا

حِلمٌ حَكى رَضْوَى ولكنْ تحتَهُ … بأسٌ، ذُرَى رَضْوَى يهدُّ وكبكبا

يكتنُّ منهُ البطشُ تحتَ سكينة ٍ … كالزَّنْدِ يوجَدُ خامِداً مُتلَهِّبا

تأتي التجاربُ تستشيرُ ذكاءهُ … مهما استشار الأذكياءُ مجربا

كلرمتْ أرومتهُ وأينعَ فرعهُ … فَحَوى الجلالَة َ مَنْسباً أو مَنْصباً

كالروضِ رَاقكَ مَنْظراً وخبرتَهُ … فَوَجَدْتَ عُنصُرَهُ الغَمامَ الصَّيّبا

هشُّ الندى جزلُ الوقارِ كأنهُ … بحرٌ وَطَوْدٌ إن حَبا وإن احْتبى

رمتِ المعالي لحظاً أدعجاً … وافترَّ عَنْهُ الزهرُ ثَغْراً أشنَبا

إيهٍ أبا عمرٍو وَوَصفُكَ قَدْ غَدا … عِزّاً تَسَمّى كافِياً لكَ مَحْسبا

حَلّيْتَ حِمصاً بالبقِيعِ مدائحاً … وحَمَيتَ مِنْها بالعرِينِ مؤشَّبا

حَسُنَتْ فَعادَ اللّيْلُ صبحاً نيّراً … فيها وصار الصلدُ روضاً معشبا

أفهقتَ : حتى البحرُ يدعى جدولاً … وأضأتَ: حتى الشمسُ تُدعى كوكبا

و شقيّ قومٍ لا كما زعمَ اسمهُ … بارَى علاكَ فما جرى حتى كبا

فرَأى حُسامَكَ فِيه برقاً ساطِعاً … و رأى مناهُ فيكَ برقاً خلبا

ألبستهُ طوقَ المنية ِ أحمراً … فكسوتنا التأمينَ أخضر مخصبا

ما كان إلاّ أن جعلتَ عتابهُ … بكلامِ ألسنة ِ الغُمُودِ مُعتّبا

إنَّ الغليظَ من الرقابِ إذا عتا … لم ينههُ إلاّ الرقاقُ منَ الظبى

دَمّثْتَ طاغينا، جبرتَ مهيضنا … أرشدتَ جاهلَنا الطريقَ الأصْوَبا

كالنجمِ أحرقَ مارداً، وسقى الثرى … من نَوْئهِ ريّاً، ونَوَّرَ غَيْهَبا

وكأنَّ بابكَ كعبة ٌ يمحو بِها … زلاتهِ منْ قد أتاها مذنبا

تَلْقَى الجماهرَ حولَهُ فكأنّهُمْ … من كثرة ٍ وتضاؤلٍ رِجْلُ الدَّبا

كالصائمين عشيّة َ الإفطارِ قَدْ … مَدُّوا العيونَ إلى الهلال ترقُّبا

أوليتَ ما لَوْ كانَ نُطقي مُعجباً … عن شكره لرأيتَ حالي مُعْربا

و كفى بمدحكَ نيلَ سؤلٍ إنني … نزهتُ فيكَ الشعرَ عن أن يكذبا

فإليكَ من مدحي أغرَّ مذهباً … أتحفتُ منك بهِ أغرَّ مهذبا

لولا بديعٌ من فعالكَ مغربٌ … ما حاكَ مادحُكَ البديعَ المُغْرِبا

ما عذرُ أرضٍ تربها من عنبرٍ … أن لا يطيبَ بها الشمالُ ولا الصبا

غَنِيَتْ عن التشريفِ ذاتُكَ مثلما … تَغْنى عن الأسلاكِ أجيادُ الظبا

فاطلَعْ بأُفقِ الفخرِ شمسَ رياسة ٍ … و الشرقُ يحسدُ في سناكَ المغربا