طربَ الدهر فاستهلَّ منيرا – حيدر بن سليمان الحلي
طربَ الدهر فاستهلَّ منيرا … يملأ الكون بهجة ً وسرورا
وسرت نفحة ٌ من البِشر فيه … ضمّخت خيمة َ السماءِ عبيرا
عُدنَ أوقاته رِقاق الحواشي … لك تَهدي بشاشة َ وحبورا
كلّ وقتٍ يمرُّ منه تراه … باردَ الظلِّ طيبا مستنيرا
فكأَن الهجيرَ كان أصيلاً … وكأَن العشيَّ كان بكورا
بوركت من صبيحة ٍ في ضُحاها … وَفَدَ اليمنُ بالسعود بشيرا
وإلى طلعة ٍ جلت كلَّ همٍّ … ببنان الإقبال أضحى مشيرا
فتأمل عقودَ هذي التهاني … كيف زانت بها الليالي النحورا
وتصفّح أيامها الغرّ وانظر … كيف قد وشحت بهنَّ الخصورا
فرحٌ من شعاعه اقتبس النورَ … محيّا الدنيا فشعَّ منيرا
فاقتبل عمرها جديداً وأيامَك … عيداً والعيشَ غضًّا نظيرا
طاب نشر الأفراح في بِشر قومٍ … لهم الفضلُ أوّلاً وأخيرا
عترة المجد أُسرة الشرف المحض … زكوا محتداً وطابوا حجورا
شرعٌ في العُلى وغير عجيبٍ … فلها رشّح الكبيرُ الصغيرا
معهم يولد النهى فترى اليا … فعَ كهلاً والكهلَ شيخاً كبيرا
خاطروا في العُلى فناهيك فيهم … شرفاً باذخاً ومجداً خطيرا
منهم يستضاءُ شرقاً وغرباً … بوجوهٍ تكسوا الكواكب نورا
فمع الشمس يشرقون شموساً … ومع البدر يُشرقون بدورا
أيها العصر لا أرى لكَ مِثلاً … زانك المصطفى فباهي العصورا
قبله هل مسحت غرّة صبحٍ … عن لثام الأسفار أبدت سفورا
شخصت نحوه العيونُ ولكن … عاد بعض يَقذى وبعضٌ قريرا
فبعينٍ شعاعهُ كان ناراً … وبعينٍ شُعاعه كان نورا
بلّغته الرضا عزيمة ُ نفسٍ … كبرت أن ترى الخطير خطيرا
كم طوى البيدَ باسطاً كفَّ جودٍ … نشرت ميّتَ الندى المقبورا
واستقلَّ البحورَ جوداً فأجرى … من أسارير راحتيه بحورا
مانحا بلدة َ بمسراه إلاّ … وأبت نحو غيرها أن يسيرا
إذا ذكره أطاف بأُخرى … كاد شوقاً فؤادها أن يطيرا
فأتى مشهداً لمن طافَ فيه … قد أعدَّ الإله أجراً كبيرا
فيه لطف الله الذي من يزره … زار في عرشه اللطيف الخبيرا
حازَ أجراً لو الورى اقتسمته … لغدا فيه كلّهم مأجورا
وبتلك الديار أبقى مزاياً … تستقلُّ المنظومَ والمنثورا
وانثنى راجعاً بأحشاء قومٍ … معه سافرت وعفنَ الصدورا
يا نديمي على الهنا زانك الله … ولقّاك نظرة ً وسرورا
قل لعبد الكريم بُشراكَ يا مَن … شاد بيتَ المكارم المعمورا
قد أقرَّ الإله عينيكَ فيمن … كان في غرّة لعينيك نورا
زار بغداد مَن بها ركز اليومَ … لواءَ المفاخر المنشورا
راقها منه طلعة ً بدرُ مجدٍ … لا رأت للغروب فيه نذيرا
ما تجلّى بباهر الضوء إلاّ … عاد طرفُ الحسود عنه حسيرا
حسدتها السما عليه وقالت … لمجلّيكِ ما حويتُ نظيرا
لو قبلتِ التعويضَ عنه لقايـ … ـتك حتّى هلاليَ المستنيرا
فهو يغني عمّن سواه ولكن … ليس يُغني سواه عنه نقيرا
من رآه يقري الضيوف ويسعى … للمعالي ويطلق المأسورا
قال: هذا محمدٌ ذلك الصا … لحُ قد عاد شخصه منشورا
ونعم لا تقل طوى الموت من لم … تفتقد منه سعيَهُ المشكورا
وكذا الشمس إن تغب فابنها البد … ر يجلّي بنورها الديجورا
يا بن من قد أتى على الجود حينٌ … فيه لولاه لم يكن مذكورا
بك قرَّت عينا أخيك كما طر … فُك قد عاد في أخيك قريرا
فلمن منكما أُهنّي تساوى … فيكما البشر زائراً ومزورا
إنّما أنت للمعالي يمينٌ … وهو قد كان سيفَها المشهورا
فإذا ما هزَزَتَهُ يوم فخرٍ … جاءَك الدهر مُذعناً مستجيرا
فرويداً مُراهنيه رويداً … لن تشقّوا غبارَه المستطيرا
خلفكم عن مدى ً يشقّ عليكم … ما ركبتم إليه إلاّ الغرورا
ما لعليا محمدٍ حسنِ الأخلاق … تلقى الشعرى العبور عبورا
ماجدُ النفس في اقتبال صباه … يلبس الفخر كلّ آن حبيرا
مستطيلٌ كم ابتدا مكرماتٍ … عاد باع الكرام عنها قصيرا
رفّ نبت المُنى بجانب جدوا … هُ فكانا خميلة َ وغديرا
كان تأريخ بيته أوّل الدهر … على جبهة العُلى مسطورا
عن أبيه عن جده المصطفى ير … وي حديث المكارم المأثورا
قد بنى في السماءِ قبّة مجدٍ … تخذ النيّرات فيها سميرا
من كرامٍ قد استرقّوا لباس الـ … ـحمد والناس تسترقّ الحريرا
لعلاها محمدٌ قد أعدتّه … جواداً على الثناء مُغيرا
كم جرى والصَبا بحلبة جودٍ … فغذا عنه شأوها محسورا
وجلا أُفقها محمدٌ الها … دي لمن نصّ في الظلام المسيرا
كوكبٌ عَزّ أن يرى فلك المجد … منيراً بمثله مستديرا
ولها من محمدٍ بأمينٍ … حفظت كنز فخرِها المذخورا
قد رقى حيثُ ليس ترقى الثريّا … وسقى الوافدينَ نوءاً غزيرا
وبعبد الحسين قد فاخروا الشمـ … ـس فودّت في الأُفق أن لن تُنيرا
هم بنو السؤدد القديم كما هم … إخوة المجد واحداً وعشيرا
فادع غريّد أُنسهم ثم أرّخ … رجعة المصطفى بها اسجع دهورا