صفحة من الحياة الشعبية أو بيت يتهدم – محمد مهدي الجواهري

سألَ شِعري بالرَغم عَنيَّ حزناً … أبتغي فَرحةً فما تَتَسَنَّى

كلُّ صَحْبي يشكون شكوايَ لكنْ … ربّما يضحكونِ خُسْراً وغَبنْا

لو لـ” جوتٍ ” تبد وتعاسةُ هذا الشعبِ … يوماً لكانَ أجملَ فنّا

لتناسَى ” الآمَ فَرترّ ” طرّاً … رُبَّ حزنٍ يُنسِي أخا البؤسِ حزنا

من شبابِ العراق تعلو الكآباتُ … وُجوهاً تفيضُ طُهراً وُحسْْنا

لو تَراها عجبتَ ان لا يَهُزَّ الشرخُ … قلباً او يُضحِكَ الزهوُ سِنا

أعلى هذه النُّفوسِ – من اليأس … استماتت – مستقبلُ الشعب يُبنى

يَتَغَذَّى دمَ القُلوب شبابٌ … لا يُريدُ الحياةَ ذُلاًّ ووَهْنا

خُدْعةٌ هذه المظاهرُ ما في القوم … فردٌ يعيشُ عَيشاً مُهَنْا

الثياب الفَرْهاء رفَّتْ عليهم … كضمادٍ غطَّ جِراحاً وطَعْنا

والاحاديثُ كلُّها تشتكي ” البؤسَ ” … وفصلُ الخطاب أنّا ” يَئِسْنا “

إيهِ أُمّاهُ ما أرابَ شقيقَ النفسِ … منّا حتى تَبعَّدَ عنّا

منذ يومينِ ليسَ يَعرِف عمّا … نحنُ فيه شيئاً ولا كيفَ بِتْنا

جائيا ذاهبا يقسِّم في الأوجه … لحظَيهِ من هُناكَ وهَنْا

إيه أُمّاهُ إن نفسي أحسَّت … ما يُُقذِّي عينا ويُوقِرُ أُذْنا

فانبرت دمعةٌ تُترجم عما … في ضمير الأُمِّ الحنونِ استَكَنّا

اِسمَعي يا عزيزّتي أنَا أوفى … منكِ خُبْراً إذْ كنتُ أكبر سِنا

ولدي مُذْ عَرَفتُه يملأ البيتَ … بتفكيرِهِ ارتهاباً وحُزناً

ولدي طامحٌ تُعنَيه آمالٌ كِثارٌ … إن الطَّموحَ مُعَنَّى

يَتَمنَّى كلَّ السُرور ولا يسطيعُ … نيلاً لبعض ما يَتَمنّى

لو بكفِّي مَنْعتُ جُلَّ القوانينِ … على الحقِ نِقْمةً أن تُسَنَّا

لا نظامٌ حرُّ فيرْعى الكفاءاتِ … ولا مَن يُقيمُ للحر وزْنا

عُكِسَتْ آيةُ الفضائلِ فالأعلى … مَقاماً من كانَ في النفس أدْنى

ساكنُ القصر لو إلى ذِمة ِ الحقِ … احتكمنا لكانَ يسكُنُ سِجنا

ولكانَ الحريَّ أن تتحاشاهُ البرايا … لا أن يُبَرَّ ويُدْنى

إنَّ ما يجتنيه من مُنكَرات العيشِ … من شَقْوةٍ البريئينَ يُجْنَى

وقناني الخمرِ التي عَصَرُها … من دُموعي ومن دُموعِكِ تُقْنَى

ولدي اختَشي عليه من الموتِ … انتحاراً وختشِي انْ يُجَنّا

أسمعتيه بالأمس ِ اذ يَتحدَّى الناسَ … إني عَرَفتُ مَرْمَاهُ ضِمنا

هوَ يشكوُ من النَّذالةِ خَصْماً … وهو يشكو من الخيانةِ خِدنْا

ولدي لم يكنْ ليحملَ – لولا … ان يُلِحُّوا به – على الناسِ ضِغْنا

ما لزَوجي إذا ذَكَرتُ له الأنسَ … وما أرتجي من العيشِ أنا

انَّّةٌ سرُّها عميقٌ وفيها … ألف معنَّى من القُنوط ومعنى

كاسراً جفنَه يخالِسُني اللحظَ … لأمرٍ في النفسِ يكسِرُ جَفْنا

اتُرى من اشفاقةٍ هذه النظرةُ … أم ساءَ بي ، وحاشايَ ، ظنّا

خَلَتِ الغُرفةُ الصغيرةُ من توقيعِ … زوجي فلستُ اسْمعُ لَحنا

أنا واللهِ كنتُ أستشعرُ … معنَى الحياةِ إذْ يَتَغَنى

في سوادِ الدُجى وعاصفةِ الأقدارِ … هبَّت تَجتَثُّ بالعُنفِ غُصنا

من على دجلةٍ تِكَشَّفُ للضيف … عزيزاً على الطبيعة – حِضنا

شَبَحٌ لاح من بعيدٍ يَحُثُّ … الخطوَ طوراً وتارة يتأنَّى

يا لَه موقفاً يمثِّلُ مذهولاً … يُعانِي حالَين خَوفاً وأمْنا

زوجتي سوفَ تستفيقُ من النومَ … صَباحاً فما تَرانيَ وَهْنا

سوف تجتاحُها الظُنونُ ولهفي … اذ تُنبَّي عن صدق ما تَتَظَنّى

زوجتي ما اقترفتُ إثماً ولكنْ … كيفما شاءتِ النواميسُ كُنّا

زوجتي أوسِعي النزاهةَ ما اسطعتِ … سِباباً وأوسعى الحقَ لَعْنا

أُقتلي بنْتَكِ الصغيرةَ لُبنى … لا تكابدْ ما كابدت أمُّ لبنى

وعجوزٌ هنا لِكُمْ حسبُها من رحمةِ … الدهرِ أنْ ستفقِد إبْنا

لو تخيرتُ لي الهاً لما ألَّهْتُ … إلاّ من هيكل الأم بطنا

و”ربابٌ ” شقيقتي بعد موتي … أبداً بالحياة لا تَتَهنّا

وسأقِضي فيوسع الناسُ تاريخي … بعد المماتِ سّباً وطَعنا

يا لها من نذالةٍ في أحاديثَ … تُسمِّي شجاعةَ الموتِ جُنبا

اشهَدي دجلةٌ بأني – كما كنتُ … قوياً جسماً وعزماً وذِهنا

شاعرٌ بالوجود أُغمِضُ عما … فيه من هذه المناظِرِ جَفنا

كلُّ هذا وسوف أنتحرُ اليوم … لأنيّ أرى المعيشةَ غَبنا

احملي ” دجلةٌ ” سلامي الى الأهل … وقولي : قد استراحَ المعنّى

حَمَلوا – بعد أربعٍ – جُثةً لم … تتميز منها النواظرُ رُكنا

وانحنَتْ فوقها الأمومةُ خرساءَ … تُزجّى يُسرى وتَرفع يُمنَى

لم تُطِق أنةٍ فماتت – وقد يدفع … موتاً عن ثاكلٍ أن تئنّا

واستخفَّ الشقيقةَ ” الصْرعُ ” فهي اليومَ … نِضوٌ يعالج الموتَ مُضنَى

وحديثُ الأخرى اتركوهُ فقد … يُغنيكُمُ عن صراحةٍ أن يُكَنّى