سلوا عن فؤادي بعدكم كيف حاله – لسان الدين الخطيب

سلوا عن فؤادي بعدكم كيف حاله … وقد قوضت عند الصباح رحاله

ولا تحسبوا أني سلوت على النوى … فسلوان قلبي في هواكم محاله

وما حال من شطت بغرب دياره … وفي الشرق أهلوه وثم حلاله

ولكنني وطنت نفسي وإنها … سجية من طابت وجلت خلاله

وعللت نفسي باللقاء فإنني … لآمل لطف الله جل جلاله

وما الحر إلا من يعاني ضرورة … فيبدو عليها صبره واحتماله

سجية آباء كرام ورثتها … بحق ويبني المجد للمرء آله

توارثت عز الملك عن كل ماجد … سما في المعالي باسه ونواله

صهيل الجياد الصافنات غناؤه … وتحت البنود الخافقات ظلاله

سل الدهر عن أبناء نصر وإن ضنا … فسل عنهم الدين الذي هم رجاله

عسى جبل الفتح الذي بجنابه … حللت بقرب الفتح يصدق فاله

نسائل أنفاس النسيم إذا سرى … عسى خبر عنكم تؤدي شماله

ونرجو مزار الطيف في سنة الكرى … ومن لي بنوم فيه يسري خياله

بنفسي غزال قد غزتني لحاظه … وتيم قلبي حسنه وجماله

هو البدر والجوزاء قرط معسجد … وجنح الليالي فرعه ودلاله

تقربه الأوهام مني وإن نأت … منازله عني وعز مناله

وأسأل عن أخباره كل وارد … فيا ليت شعري كيف عني سؤاله

ألا في سبيل الله قلب مقلب … على البعد لا يخلو من الوجد باله

وبالجانب الشرقي سرب من الدما … بغير الكرى ما إن يصاد غزاله

تقنصت منه ظبية الأنس فانثنت … رهينة حب وثقتها حباله

أفاتكة اللحظ الذي بجوانحي … على غرة منها استقرت نباله

يطيع الورى ملكي امتثالا لأمره … وأمرك مكتوب علي امتثاله

لئن غبت عن عيني فشخصك حاضر … يلازم فكري شكله ومثاله

وإن نقلت عنك الليالي ركائبي … فؤادي فشيء ليس يخفى انتقاله

إذا ما جدت ريح الزفير مدامعي … تسح فتروى من دموعي رماله

وتالله ما اعتل النسيم وإنما … تعلم من شجوي فبان اعتلاله

تذكرت ليلا بالحبيب قطعته … وشملي على كل الأماني اشتماله

تحير فيه الفجر أين طريقه … وفوق ذراعي بدره وهلاله

وعاطيته من خمره ورضابه … شرابا به منه عليه انتقاله

وعانقت منه الغصن مالت يد الصبا … به فسباني لينه واعتداله

ترى هل يعود الشمل كيف عهدته … ويبلغ قلبي ما اشتهى ويناله

سقى الله من غرناطة متبوئا … غماما يروي ساحتيها سجاله

وربعا بحمراء المدينة آهلا … أنيطت على بدر السماء حجاله

وغابا به للملك أشبال ضيغم … يروع الأعادي باسه وسباله

لقد هاجني شوق إليها مبرح … إذا شمت برق الشرق شب ذباله

فكم لي على الوادي بها من عشية … يقل لها ذكر الفتى ومقاله

عسى الله يدني ساعة الفرج التي … بها يتسرى عن فؤادي خباله

صرفت إلى الله الوفاء ضراعة … وما خاب يوما من عليه اتكاله