سلام عليكم لا وفاء ولا عهد – البحتري

سَلامٌ عَلَيْكُمْ، لا وَفَاءٌ وَلاَ عَهْدُ، … أما لَكُمُ من هَجرِ أحبابكُمْ بُدُّ

أأحبَابَنا قَدْ أنجَزَ البَينُ وَعْدَهُ … وَشيكاً، وَلمْ يُنْجَزْ لنَا منكُمُ وَعْدُ

أأطلالَ دارِ العَامرِيّةِ باللّوَى، … سَقَتْ رَبعَكِ الأنوَاءُ، ما فعلَتْ هندُ؟

أدَارَ اللّوَى بَينَ الصريمَةِ والحمَى، … أمَا للهّوَى، إلاّ رَسيسُ الجَوَى قَصْدُ

بنَفْسِيَ مَنْ عَذّبْتُ نَفسِي بحُبّهِ، … وإنْ لمْ يكُنْ منهُ وِصَالٌ، وَلاَ وِدّ

حَبيبٌ مَنِ الأحبابِ شطّتْ بهِ النّوَى، … وأيُّ حَبيبٍ ما أتَى دونَهُ البُعْدُ

إذا جُزْتَ صَحْرَاءَ الغُوَيْرِ مُغَرِّباً، … وَجَازَتْكَ بَطْحَاءُ السّوَاجيرِ يا سَعْدُ

فقُلْ لبَني الضّحّاكِ: مَهْلاً، فإنّني … أنا الأُفْعُوَانُ الصِّلُّ والضّيغمُ الوَرْدُ

بَني واصلٍ مَهْلاً، فإنّ ابنَ أُختكم … لَهُ عَزَماتٌ هَزْلُ آرَائهَا جِدّ

متى هِجْتُمُوهُ لا تَهيجوا سوَى الرّدى، … وإنْ كانَ خِرْقاً ما يُحَلُّ لَهُ عَقْدُ

مَهيباً كَنَصْلِ السّيفِ لوْ قذفت بهِ … ذُرَى أجإٍ ظَلّتْ وأعلامُه وَهْدُ

يَوَدُّ رِجَالٌ أنّني كُنتُ بَعضَ مَنْ … طَوَتْهُ المنايا، لا أرُوحُ وَلا أغدُو

وَلَوْلا احتمَالي ثِقْلَ كُلّ مُلمّةٍ، … تَسُوءُ الأعادي، لم يَوَدّوا الذي وَدّوا

ذَرِيني وإيّاهُمْ، فحَسبي صَرَيمَتي … إذا الحَرْبُ لمْ يُقدَحْ لمُخْمِدِها زَنْدُ

وَلي صَاحبٌ عَضْبُ المَضَارِبِ صَارِمٌ، … طَوِيلُ النِجَادٍ، ما يُفَلُّ لَهُ حَدّ

وَبَاكِيَةٍ تَشْكُو الفرَاقَ بأدْمُعٍ … تُبَادِرَها سَحّاً، كَمَا انتَثَرَ العِقْدُ

رَشَادَكِ لا يُحْزِنْكِ بَينُ ابنِ همّةٍ … يَتُوقُ إلى العَلْيَاءِ لَيسَ لَهُ نِدّ

فَمَنْ كَانَ حُرّاً فَهْوَ للعَزْمِ والسُّرَى، … وَللّيلِ من أفعالِهِ، والكَرَى عَبدُ

وَلَيْلٍ، كأنّ الصّبحَ في أُخرَيَاتهِ، … حُشَاشَةُ نَصْلٍ، ضَمّ إفرِندَهُ غِمدُ

تَسَرْبَلْتُهُ والذّئْبُ وَسْنانُ هاجِعٌ، … بعَينِ ابنِ لَيلٍ، ما لهُ بالكَرَى عهدُ

أُثيرُ القَطا الكُدْرِيَّ عَنْ جَثَماتهِ، … وَتألَفُني فيهِ الثّعَالبُ، والرُّبْدُ

وأطْلَسَ مِلْءِ العَينِ يَحملُ زَوْرَهُ، … وأضْلاعُهُ منْ جَانبَيْهِ شَوًى نَهْدُ

لَهُ ذَنَبٌ مثلُ الرِّشَاءِ يَجُرّهُ، … وَمَتنٌ كَمَتنِ القَوْسِ أعوَجُ، مُنْأدّ

طَوَاهُ الطّوَى حَتّى استَمَرّ مَرِيرُهُ، … فَما فيهِ إلاّ العَظْمُ والرّوحُ والجِلْدُ

يُقَضْقِضُ عُصْلاً، في أسرّتها الرّدى، … كَقَضْقَضَةِ المَقْرُورِ، أرْعدَهُ البَرْدُ

سَمَا لي، وَبي منْ شدّةِ الجوعِ ما به، … ببَيداءَ لمْ تحسسْ بها عَيشَةٌ رَغْدُ

كلانا بها ذِئْبٌ يُحَدّثُ نَفْسَهُ … بصَاحبهِ، والجَدُّ يُتْعِسُهُ الجَدّ

عوَى ثمّ أقْعَى، وارتَجَزْتُ، فهِجْتُه، … فأقْبَلَ مثْلَ البَرْقِ يَتْبَعُهُ الرّعْدُ

فأوْجَرْتُهُ خَرْقَاءَ، تَحسبُ رِيشَها … على كوْكبٍ يَنقَضُّ واللّيلُ مُسوَدّ

فَما ازْدادَ إلاّ جُرْأةً وَصَرَامَةً، … وأيْقَنْتُ أنّ الأمْرَ منْهُ هوَ الجِدّ

فأتْبَعْتُهَا أُخرَى، فأضْلَلْتُ نَصْلَها … بحَيثُ يكونُ اللُّبُّ والرُّعبُ والحِقْدُ

فَخَرّ وَقَدْ أوْرَدْتُهُ مَنهَلَ الرّدَى … على ظَمَإٍ، لَوْ أنّهُ عَذُبَ الوِرْدُ

وَقُمْتُ فجَمّعتُ الحَصَى، فاشتَوَيتُه … عَلَيْهِ، وللرّمضَاءِ من تحته وَقْدُ

وَنلْتُ خَسيساً منهُ، ثمّ تَرَكْتُهُ، … وأقْلَعْتُ عَنهُ، وَهْوَ مُنْعَفِرٌ فَرْدُ

لَقَدْ حَكَمَتْ فينا اللّيالي بجَوْرِها، … وَحُكمُ بَناتِ الدّهرِ لَيسَ لَهُ قَصْدُ

أفي العَدلِ أنْ يَشقَى الكَرِيمُ بجَوْرِها، … ويأخُذَ منها صَفوَها القُعدُدُ الوَغْدُ

ذَرِينيَ من ضَرْبِ القِداحِ على السُّرَى، … فعَزْميَ لا يَثنيهِ نَحسٌ، ولا سَعدُ

سأحملُ نَفْسِي عندَ كلّ مُلمّةٍ … على مثلِ حدّ السّيفِ أخلَصَهُ الهندُ

ليَعْلَمَ مَنْ هَابَ السُّرى خَشيةَ الرّدى … بأنّ قَضَاءَ الله لَيسَ لَهُ رَدّ

فإنْ عشتُ مَحموداً فمثلي بغَى الغنى … ليَكسِبَ مالاً، أو يُنَثَّ لَهُ حَمْدُ

وإنْ مُتُّ لمْ أظفَرْ، فلَيسَ على امرِىءٍ … غَدا طالباً، إلاّ تَقَصّيهِ، والجُهْدُ