زارت ونجم الدجى يشكو من الأرق – لسان الدين الخطيب

زارت ونجم الدجى يشكو من الأرق … والزهر سابحة في لجة الأفق

والليل من روعة الإصباح في دهش … قد شاب مفرقه من شدة الفرق

وأوشكت أن تضل القصد زائرة … لولا أني كنت في باق من الرمق

قالت تناسيت عهد الحب قلت لها … لا والذي خلق الإنسان من علق

ما كان قط تناسي العهد من شيمي … ولا السلو عن الأحباب من خلق

ولا ترحلت عن مغناك من ملل … قد يترك الماء يوما خيفة الشرق

كم ليلة بتها والطيف يشهد لي … لم تطعم النوم أجفاني ولم تذق

أشكو إلى النجم وهنا أكابده … حتى شكا النجم من وجدي ومن قلق

يا لائمي أفيقا من ملامكما … فإنني منذ سقيت الحب لم أفق

هل تذكراني ليالينا وقد نفحت … ريح الصبا في رياض للصبا عبق

وإذ نعمنا برغم الدهر فيه وقد … عض الأنامل من غيظ ومن حنق

بكل ساحرة الألباب آيتها … أن تطلع الشمس في جنح من الغسق

تنازع الغصن لدنا في تأوده … وتخصم الريم في الألحاظ والعنق

والروض يجلو عذاره وقد لبست … عقائل الورق ديباجا من الورق

كأنما الغصن شارب ثمل … بكأس مصطبح في الأنس معتبق

فكلما ارتاح هز العطف من طرب … وجاد زهوا بمنثور من الورق

كأنما الدوح والأغصان جائلة … قد جادها كل جهم الغيم مندفق

أحبة راعها والشمل منتظم … داعي الوداع فمن باك ومعتنق

كأنما الطل إذ طل الشقيق به … خد بصفحته رشح من العرق

همت ثغور الأقاحي أن تقبله … فللبنفسج وجه الواجم الحنق

كأن أوراقه والريح تعطفها … سواعد رفعت خضرا من الدرق

كأنما الآس آذان الجياد وقد … شعرن بالروع في قفر من الطرق

كأنما النهر في أثنائه أفق … والورد في الشط منه حمرة الشفق

أو سيف يوسف يوم الروع سال به … نجيع أعدائه المحمر في الزرق

إمام عدل يحب الله سيرته … عف الغيوب كريم الخلق والخلق

أقام للدين قسطاسا فأمنه … ما سامه الجور من نحس ومن رهق

وعم بالرفق هذا القطر فابتدرت … تنمي مآثره جوابة الرفق

أقول للركب المزجي مطيته … يحثها السير بين النص والعنق

يا زاجر العيس أنضاء مضمرة … كأنها أسهم يمرقن عن فوق

أهلة ما لها عهد بمنزلة … من كل منخسف الجثمان ممحق

أرح ركابك فقد أوردت في نهل … وقد ظفرت بحبل الله فاعتلق

حللت بالمنزل المحبو نائله … بباب ملك لباب البر مستبق

نمته أملاك صدق بل ملائكة … من كل محتزم بالحزم منتطق

آثارهم في سماء الملك لائحة … تهدي وذكرهم مسك لمنتشق

وحل من الأنصار منتسبا … في معشر صبر عند الوغى صدق

حزب النبي الألى إن روعة دهمت … ملء الفضا لم تهن ذرعا ولم تضق

يا قائد الخيل تردي في أعنتها … هزلى الأباطن والأنساء والصفق

من كل أحمر وردي تنازعه … ظباء وجرة في الألوان والخلق

وأشهب في سماء النقع مخترق … كأنه قاذف يهوي لمسترق

وأدهم اللون إن أبداك غرته … تخال زنجية تفتر عن يقق

كأنه وهو بالظلماء مشتمل … خاضت قوائمه نهرا من الفلق

وأبلق شغفت حور العيون به … كأنما عطفتها نسبة الحدق

تشارك الليل في أحكام صنعته … واليوم واتفقا فيه على البلق

أنت الذي خاصمت فيك السيوف إلى … أن خلص الحق رهن الملك من غلق

وأنت أمنت حقا ثغر أندلس … وقلب ساكنها يرتج من خفق

قد عاودت دولة الإسلام جدتها … والكفر مشتمل بالواهق الخلق

فأقلق البيض واهزز كل غالبة … فالدين في مرح والكفر في وهق

حتى إذا الروم رامت فرصة ونزا … يوما منافقها الأشقى عن النفق

فاهزز بوعبك قبل الجيش ما جمعوا … واضرب بسعدك قبل الصارم الذلق

واستقبل الفتح والنصر الذي نطقت … آثاره بصحيح غير مختلق

وإن شكت مرهفات الهند من ظمأ … فسقها عللا صرفا من العلق

وإن هم جنحوا للسلم واعتلقوا … منها بمستحتكم الأسباب والعلق

فاجنح لها بكتاب الله مقتديا … إذ ذاك واستبق فلا من ظباك بق

واهنأ بقابل أعياد مواسمها … منظومة ككعوب الرمح في نسق

في ظل مملكة من دون ساحتها … ردء من الله يحمي حوزها ويق

مولاي دونكها عقدا فرائده … تزهى بمنتظم الإبداع متسق

يودها الدوح في أغصانه زهرا … غضا وتحسدها دارين في العبق

تزري بطيب أواليها أواخرها … كذلك السبق يبدو آخر الطلق

لو جئت في حلبة العرب التي سبقت … ما كنت في القوم إلا حائز السبق

وإن تأخر بي عن جيلهم زمني … فربما جاء معنى الصفح في اللحق

والعقل كالبحر إن هالتك هيبته … فالشعر يسبر منه منتهى العمق

فإن وفيت بحق المدح فهو جنى … روض بإنعامك السيح العمام سق

وإن عجزت فعن عذر وثقت به … من رام عد الحصى والقطر لم يطق

وإن وفيت ببعض القصد ريتما … يكفي من العقد ما قد حف بالعنق