زائر – جمال مرسي

تقولُ القصائدْ

فتصدقُ حيناً ، و تكذبُ حيناً

تُغنِّي ، تنوحُ ،

تُسِرُّ ، تبوحُ

و كالشمسِ يحجبها عن فضائي

غيومٌ تجيئُ

و أخرى تروحُ

فيسكن جِسميَ بردُ المشاعرِ لو خاصمتني

و يملؤني دفؤها لو تلوحُ

و ليست جميعُ القصائدِ مسكونةً بالضياءِ

و لا ضَمَّخَتها عطورٌ تفوحُ

فمنها الذي كالسرابِ نسيرُ إليهِ

و نحنُ ظِماءْ ،

فنحسبُهُ نبعَ ماءْ

لنرجعَ بعدَ عناءِ الترجُّلِ في روضِ أحلامِنا للوراءْ

لكَ الله يا شعرُ كيف انخدعنا ؟

فلا أنت أطعمتنا القمحَ ،

رَوَّيتنا لبنَ الصدقِ ،

إمّا ظمئنا بيومٍ و جُعنا

و لا أنتَ يا صاحِ غادرتَ آفاقَنا في هدوءٍ

لنُعلنَ أنَّا بفقدِكَ ضِعنا .

لكَ اللهُ يا شعرُ تبقى أبياً برغمِ الجراحِ

و تحيى القصائدْ

فماذا تقولُ القصائدْ ؟

تقول معلقةٌ في المديحِ :

لأنتَ الشموسُ و غيرُكَ غيهبْ

و أنتَ المليكُ الذي لا يُضاهى

و لم تنجبِ الأرضُ مثلَكَ مُذ شكَّلتْها يدُ اللهِ

أنتَ السحابُ الذي يمطرُ العطرَ ،

يروي قلوبَ العبادِ

و أنت النَّدَى و الهُدَى و الكَمِيُّ و حامي الذمارِ

و تعلم ما في البحارِ

و شيخُ الطريقةِ ، سيفُ الحقيقةِ ،

ليثُ العرينِ الذي ليس يُغلب

و لو أنصفو ملكاً قد تسلَّق فوقَ رؤوسِ العبادِ

بحدِّ السيوفِ

إلى سُدة الحكمِ يُفنِي و يُرهِبْ

لما كانَ .. و أسفي .. غيرَ أرنبْ

إذا حُمَّت الحربُ يهربْ

تقولُ معلقةٌ في الغزلْ :

أُحبُّكِ يا نبضةً في وريدي

فأنتِ الحياةُ و أنتِ الأملْ

و أنتِ الزهورُ التي أينعت فوقَ أسفلتِ قلبي

و أنتِ أميرةُ عرشي و حبي

و عيناكِ بحرانِ من لؤلؤٍ

أموتُ إذا غبتِ عني

و أحيا على صوتِ عصفورِ قلبِكِ

حين يُغنِّي

فَعِش كيفَ شِئتَ أيا شاعرَ العشقِ

مُت كيف شئتَ ،

إذا كان أطفالنا في العراقِ يموتون جوعاً

و قصفاً و نزفا

و في بيتِ حانونَ ، في القدسِ ، في غزةِ الخيرِ

إلفٌ يغادرُ بالموتِ إلفا

و ما زلتَ في وهمِ غيِّكَ تعزف عزفا

تغازلُ عين المها و الطللْ

فيا للخجلْ

تحدثنا عن هجاءٍ مقيتٍ

و وصفٍ لخيلٍ

و نوقٍ

و هودجْ .

و فخرٍ بأنسابَ من وحيِ خيطٍ من الوهمٍ

تُنسجْ .

تسيرُ بنا للطلاسمِ

للرمزِ ، لللغزِ ، للغيظِ ، للقيظِ

للغارِ تدخلهُ

كي تعودَ بخفيِّ حنينٍ

و لا شيء يُبهج

يموتُ الهجاءُ و وصفُ الخيولِ

و فخرُ اللقيطِ

و زهوُ العبيطِ

و لغزُ الحداثةْ .

و تبقى عيونُ القصائدِ تبكي

فماذا تقول عيونُ القصائد ؟

تقولُ أنا دُرَّةٌ في محيطٍ عميقِ ،

فَخُض صوبيَ الموجَ ،

فُكَّ إساري

بعزمٍ وثيقِ

قَرَنفُلةٌ في رياضِ الجمالِ

أذيق الذي يستبيه وصالي

شذاً من رحيقي

أنا نجمةٌ في الفضاءِ السحيقِ

فمن طار نحوي بأجنحةٍ من خيالِ

و حلَّق في عالمي لا يُبالي

بطولِ الطريقِ

و همِّ الطريقِ

و خارطةٍ للطريقِ

سأمنحهُ من بريقي

أنا الشمسُ مهما توارت وراءَ الغيومِ

و مالت تجاهَ المغيبِ

أُشِّع الضيا في العروقِ

فمن رامني سوف أمنحه من شروقي .

أنا نسمةٌ تطرق القلبَ

تنأى بِهِ عن عذابٍ و ضيقِ

أنا نبض ثائرْ .

و أسطورة الجمع بين الضحى و المشاعر.

تسائلني و الدموع تفيض على وجنتيها :

ألست بشاعرْ ؟

أجيبُ :

و كُلِّي يقينٌ بقولي

أنا لم أكن ذاتَ يومٍ .. بشاعرْ

و ما كنت في روضةِ الشعرِ

إذ يستبيني

سوى محضِ زائرْ .