خليلّي مرّ بي على أم جندب – امرؤ القيس

خليلّي مرّا بي على أم جندب … نُقَضِّ لُبَانَاتِ الفُؤادِ المُعذَّبِ

فَإنّكُمَا إنْ تَنْظُرَانيَ سَاعَة ً … من الدهرِ تَنفعْني لَدى أُمِّ جُندَبِ

ألم ترياني كلما جئتُ طارقاً … وجدتُ بها طيبًا وإن لم تَطيَّبِ

عَقيلَة ُ أتْرَابٍ لهِا، لا دَمِيمَة … وَلا ذَاتُ خَلقٍ إن تأمّلتَ جَأنّبِ

ألا ليتَ شعري كيف حادث وصلها … وكيْفَ تُرَاعي وُصْلَة َ المُتَغَيِّبِ

أقَامَتْ على مَا بَيْنَنَا مِنْ مَوَدّة ٍ … أميمة أم صارت لقول المخببِ

فإن تنأ عنها حِقبةً لا تُلاقِها … فإنكَ مما أحدثَتْ بالمجرَّبِ

وقالت متى يُبخل عليك ويُعْتَلل … يَسُؤْكَ وإن يُكشفْ غرامُكَ تَدْرب

تبصر خليلي هل ترى من ظعائن … سوالك نقباً بن حزمي شَعَبْعَب

علونَ بأنطاكية ٍ فوق عقمة … كجرمة نخل أو كجنة يثرب

ولله علينا من رأى من تفرق … أشت وأنأى من فراق المحصّب

فريقان منهم جازع بطنَ نخلة … وآخر منهم قاطعٌ نجد كبكب

فَعَيْنَاكَ غَرْباً جَدْوَلٍ في مُفَاضَة ٍ … كمَرّ الخَليجِ في صَفيحٍ مُصَوَّبِ

وإنكَ لم يفخر عليكَ كفاخر … ضَعيفٍ وَلمْ يَغْلِبْكَ مثْلُ مُغَلَّبِ

وإنك لم تقطع لبانة عاشقِ … بمِثْلِ غُدُوّ أوْ رَوَاحٍ مُؤَوَّبِ

بأدماء حرجوج كأن قتودها … على أبلق الكشحين ليس بمغرب

يُغرد بالأسحار في كل سدفة … تَغَرُّدَ مَيّاحِ النّدَامى المُطَرِّبِ

أَقَبَّ رَباعٍ مِن حَميرِ عَمايَةٍ … يَمُجُّ لِعاعَ البَقلِ في كُلِّ مَشرَبِ

بمحنية قد آزر الضال نبتها … مَجَرَّ جُيُوشٍ غَانِمِينَ وَخُيّبِ

وقَد أغتَدى وَالطّيرُ في وُكُنّاتِهَا … وَماءُ الندى يجرِي على كلّ مِذْنَبِ

بمنجردِ قيدِ الأوابد لاحهُ … طِرَادُ الهَوَادِي كُلَّ شَاوٍ مُغرِّبِ

عَلى الأينِ جَيّاشٍ كَأنّ سَرَاتَهُ … على الضَّمرِ وَالتّعداءِ سَرْحة ُ مَرْقَبِ

يُبارِي الخَنوفَ المُسْتَقلَّ زِماعُهُ … ترى شخصه كأنه عود مشحب

له أيطلا ظبي وساقا نعامة … وَصَهْوَة ُ عَيرٍ قائمٍ فَوْقَ مَرْقَبِ

وَيَخْطُو على صُمٍّ صِلابٍ كَأنّهَا … حجارة غيل وارساتٌ بطحلب

له كفلٌ كالدّعص لبدهُ الثدى … إلى حارِكٍ مِثْلِ الغَبيطِ المُذَأّبِ

وَعَينٌ كمِرْآة ِ الصَّنَاعِ تُدِيرُها … لمَحْجِرهَا مِنَ النّصيفِ المُنَقَّبِ

لَهُ أُذُنَانِ تَعْرِفُ العِتْقَ فيهِمَا … كسامعتي مذعورة وسطَ ربرب

ومستفلكُ الذفرى كأن عنانهُ … ومَثْناتَهُ في في رأسِ جِذْعٍ مُشذَّبِ

وَاسْحَمُ رَيّانُ العَسيبِ كَأنّهُ … عَثاكيلُ قِنْوٍ من سُميحة ِ مُرْطِبِ

إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه … تَقولُ هزِيزُ الرّيحِ مَرّتْ بأثْأبِ

يُدِيرُ قَطَاة ً كَالمَحَالَة ِ أشْرَفَتْ … إلى سند مثلُ الغبيطِ المذأبِ

وَيَخْضِدُ في الآرِيّ، حتى كأنّهُ … بهِ عُرّة ٌ من طائفٍ، غَيرَ مُعْقِبِ

فَيَوماً عَلى سِربٍ نَقِيِّ جُلودُهُ … وَيَوماً عَلى بَيدانَةٍ أُمِّ تَولَبِ

فينا نعاجٌ يرتعينَ خميلة ً … كمَشْيِ العَذارَى في المُلاءِ المُهَدَّبِ

فكان تنادينا وعقد عذارهِ … وَقَالَ صِحَابي قد شَأَوْنَكَ فاطْلُبِ

فلأياً بلأي ما حملنا غلامنا … على ظَهْرِ مَحْبوكِ السّرَاة ُ مُحنَّبِ

وولى كشؤبوب الغشي بوابل … ويخرجن من جعد ثراهُ منصبٍ

فَلِلساقِ أُلهوبٌ وَلِلسَوطِ دُرَّةٌ … وَلِلزَجرِ مِنهُ وَقعُ أَهوَجَ مُتعَبِ

فَأدْرَكَ لمْ يَجْهَدْ وَلمْ يَثنِ شَأوَهُ … تر كخذروف الوليد المثقبِ

ترى الفار في مستنقع القاع لا حباً … على جدد الصحراء من شد ملهبِ

خفاهنَّ من أنفاقهن كأنما … خفاهن ودق من عشي مجلب

فَعادى عِداءً بَينَ ثَوْرٍ وَنَعجَة ٍ … وَبينَ شَبوبٍ كَالقَضِيمَة ِ قَرْهَبِ

وظل لثيران الصريم غماغمُ … يداعسها بالسمهريِّ المعلب

فَكابٍ على حُرّ الجبينِ وَمُتّقِ … بمَدْرِيَة ٍ كَأنّهَا ذَلْقُ مِشْعَبِ

وقلنا لفتيان كرام ألا انزلوا … فَعَالُوا عَلَيْنَا فضْلَ ثوْبٍ مُطنَّبِ

وَأَوتادَهُ ماذَيَّةٌ وَعِمادُهُ … رُدَينِيَّةٌ بِها أَسِنَّةُ قُعضُبِ

وَأَطْنَابُهُ أشطَانُ خوصٍ نَجائِبٍ … وصهوته من أتحميِّ مشرعب

فَلَمّا دَخَلْنَاهُ أصَغْنَا ظُهُورَنَا … إلى كلّ حاري جديد مشطب

كأنّ عُيونَ الوَحشِ حَوْلَ خِبائِنَا … وأرجلنا الجزع الذي لم يثقب

نمش بأعراف الجياد أكفنا … إذا نحن قمنا عن شواءٍ مضهب

ورحنا كأنا من جواثي عشية … نعالي النعاجَ بين عدل ومحقب

وراح كتيس الرّبل ينفض رأسهُ … أذَاة ً بهِ مِنْ صَائِكٍ مُتَحَلِّبِ

كأنك دماءَ الهاديات بنحره … عُصَارَة حِنّاءٍ بشَيْبٍ مُخَضَّبِ

وأنت إذا استدبرته سد فرجهُ … بضاف فويقَ الأرض ليس بأصهب