ألا انعم صباحاً أيها الربع وانطقِ – امرؤ القيس

ألا انعم صباحاً أيها الربع وانطقِ … وَحدِّثْ حديثَ الركبِ إن شئتَ وَاصْدقِ

وَحدِّثْ بأنْ زَالَتْ بلَيْلٍ حُمولُهمْ … كنَحلٍ من الأعرَاض غيرِ مُنَبِّقِ

جَعَلنَ حَوَايَا وَاقْتَعَدنَ قَعَائِداً … وخففنَ من حوك العراقِ المنمقِ

وَفَوْقَ الحَوَايَا غِزْلَة ٌ وَجَآذِرٌ … تضَمّخنَ من مِسكٍ ذكيّ وَزَنبَقِ

فأتبعهم طرفي وقد حال دونهم … غورابُ رملٍ ذي آلاءٍ وشبرق

على إثر حيّ عامدين لنية ٍ … فحلوا العقيق أو ثنية مطرِق

فعَزّيتُ نَفسي حِينَ بَانُوَا بجَسْرَة ٍ … أمونٍ كبنيان اليهودي خيفقِ

إذا زُجِرَتْ ألفَيْتُهَا مُشْمَعِلّة ً … تنيفُ بعذقٍ من غروس ابن معنق

تَرُوحُ إذا رَاحَتْ رَوَاحَ جَهَامَة ٍ … بإثْرِ جَهَامٍ رَائِحٍ مُتَفَرِّقِ

كَأنّ بهَا هِرّاً جَنِيباً تَجُرُّهُ … بكل طريق صادفته ومأزقِ

كأني ورحلي والقرابَ ونمرقي … على يرفئي ذي زوائدَ نقنق

تروح من أرضٍ لأرض نطية ٍ … لذِكرَة ِ قَيضٍ حوْلَ بَيضٍ مُفلَّقِ

يجول بآفاقِ البلاد مغرباً … وتسحقه ريح الصبا كل مسحقِ

وَبَيتٍ يَفُوحِ المِسْكُ في حَجَرَاتِهِ … بعيدٍ من الآفات غير مروق

دَخَلتُ على بَيضَاءَ جُمٍّ عِظَامُهَا … تعفي بذيل الدرع إذا جئتُ مودقي

وَقَد رَكَدَتْ وَسْطَ السماءِ نجومُهَا … ركودَ نوادي الربربِ المتورق

وَقد أغتدي قبلَ العُطاسِ بِهَيْكَلٍ … شديدِ مَشَكّ الجنبِ فعَمِ المُنَطِّقِ

بعثنا ربيئاً قبل ذاك محملاً … كذِئبِ الغَضَا يمشي الضَّراءَ وَيتّقي

فَظَلَّ كمِثلِ الخشْفِ يَرْفَعُ رَأسَهُ … وَسَائِرُهُ مِثلُ التُّرَابِ المُدَقِّقِ

وجاء خفيفاً يسفنُ الأرض ببطنه … ترى التربَ منه لاصقاً كل ملصقِ

وقال ألا هذا صوارٌ وعانة ٌ … وَخَيطُ نَعَامٍ يَرْتَعي مُتَفَرِّقِ

فقمنا بأشلاء اللجام ولم نقد … إلى غُصْنِ بَانٍ نَاصِرٍ لم يُحرَّقِ

نُزَاوِلُهُ حَتى حَمَلْنَا غُلامَنَا … عَلى ظَهْرِ سَاطٍ كالصَّليفِ المُعَرَّقِ

كَأنّ غُلامي إذْ عَلا حَالَ مَتْنِهِ … عَلى ظَهْرِ بَازٍ في السّماءِ مُحَلِّقِ

رَأى أرْنَباً فانقَضّ يَهْوِي أمَامَهُ … إلَيْهَا وَجَلاّهَا بِطَرْفٍ مُلَقلَقِ

فقُلتُ لَهُ: صَوِّبْ وَلا تَجْهَدَنّهُ … فيذرك من أعلى القطاة ِ فتنزلق

فأدبرنَ كالجزع المفصل بينه … بجِيدِ الغُلام ذِي القميصِ المُطوَّقِ

وَأدرَكَهُنّ ثَانِياً مِنْ عِنَانِهِ … كغيثِ العشيّ الأقهبِ المتودّق

فصاد لنا عيراً وثوراً وخاضباً … عِدَاءً وَلمْ يَنضَحْ بماءٍ فيعرَقِ

وَظَلّ غُلامي يُضْجِعُ الرُّمحَ حَوْله … لِكُلّ مَهَاة ٍ أوْ لأحْقَبَ سَهْوَقِ

وقام طوال الشخص إذا يخضبونه … قِيَامَ العَزِيزِ الفَارِسيِّ المُنَطَّقِ

فَقُلنَا: ألا قَد كانَ صَيْدٌ لِقَانِصٍ، … فخَبّوا عَلَينا كُلَّ ثَوْبٍ مُزَوَّقِ

وَظَلّ صِحَابي يَشْتَوُون بنَعْمَة ٍ … يصفون غاراً باللكيكِ الموشق

ورحنا كأناً من جؤاثي عشية ٌ … نعالي النعاجَ بين عدلٍ ومشنق

ورحنا بكابن الماء يجنب وسطنا … تصوبُ فيه العين طوراً ونرتقي

وَأصْبَحَ زُهْلُولاً يُزِلُّ غُلامَنَا … كَقِدحِ النَّضيّ باليَدَينِ المُفَوَّقِ

كأن دماء الهدايات بنحرهِ … عُصَارَة ُ حِنّاءٍ بِشَيْبٍ مُفَرَّقِ