خطاب الرزايا إنه جلل الخطبِ – عبدالجبار بن حمديس

خطاب الرزايا إنه جلل الخطبِ … وَسَلْمُ المَنايا كالخَدِيعة ِ في الحربِ

تريد من الأيَّام كفَّ صُروفها … أمنتقلٌ طبْعُ الأفاعي عن اللسب

وتلقى المنايا وهي في عَرَض المنى … وكم أجلٍ للطير في ملقطِ الحبّ

تناوم كلّ الناس عمّا يصيبهم … وهمْ من رزايا دهرهم سلمُ العصب

بكأسِ أبِينا آدمٍ شُرْبُنا الَّذِي … تَضَمَّنَ سُكَرَ المَوْتِ يا لك من شرْبِ

إذا ورث المولود عِلّة َ والدٍ … فعدِّ بهِ عَنْ حِيلَة ِ البرءِ والطبِّ

حُتُوفٌ على سَرْحِ النفوس مغيرة ٌ … فقلْ كيف تغدو وهي آمنة السرب

يَسُنّ عليه الذِّمْرُ عذراءَ نثرة ً … تخال بها التأنيث في الذكر العضب

على الجسم منها الذوب إن فاض سرْدها … كفيضِ أتِيٍّ والجمود على الكعب

ويُصميه سهمٌ مصردٌ ليس يتّقى … له في الحشا رامٍ تستر بالخلب

وليس بمعصومٍ من الموْتِ مُخْدَرٌ … له غَضَبٌ يبدو بحملاقة الغَضْبِ

كأنَّ سكاكيناً حدادا رؤوسها … مغززة في فيهِ في جانبي وقب

فكيف نردّ الموت عن مهجاتنا … إذا غلبت منه ضراغمة الغلب

وقاطعة ٌ طولَ السُّكاك وعرضه … تُحلِّق من بُعْدِ السماءِ على قربِ

إذا برق الإصباح هزّ انتفاضها … من الظلّ أشباه العوامل والقضب

مباكرة صَيْدَ الطيور فما تَرى … طريدتها إلا مخضخضة َ القعب

وعصمٌ إذا استعصمن في شاهق رَقَتْ … إليها بنات الدّهرِ في المُرْتَقَى الصّعب

على أنها تنقض من رأس نيقها … على كلّ رَوْقٍ عند قَرْع الصفا صلب

سينسف أمْرُ الله شمّ جِبالها … كما تنسف الأرواح منهالة َ الكثب

لكلٍّ حياة ٌ ثمّ موتٌ ومبعثٌ … إذا ما التقى الخصمان بين يدي ربي

وتستوقف الأفلاك عن حركاتها … ويسقط دري النجوم عن القطب

ألم تأتِ أهلَ الشرقِ صرخة ُ نائِحٍ … يُفِيض غروبَ الدمع من بلد الغرب

سقى الله قبراً ثائراً بسفاقسٍ … سواجم يرضى الترب فيها عن السحب

فقد عَمَّهُ الإعظامُ منْ قَبْرِ عَمَّة ٍ … أنوحُ عليها بالنحيب إلى النّحبِ

بدمع يمدّ البحرُ في السِّيفِ نحوه … إذا الحزن منه واصل السكبَ بالسكبِ

ولو آمنُ الإغراقَ أضْعَفْتُ سَحّهُ … ولكنّ قلبي الرطبَ رقّ على قلبي

برغمي نعتها ألسنُ الركب للعلى … فكيف أرُدّ النعيَ في ألسن الركب

غريبة ُ قبرٍ عن قبور بأرضها … مجاورة ٌ في خطّة الطعْنِ والضّرْبِ

كريمة ُ تقوى في صلاة تقيمها … وصومٍ يَحُطّ الجسمُ منه على الجدب

زكتْ في فروع المكرمات فروعُها … وأنجبت الدنْيا بآبائها النُّجب

ولما عدمنا من بهاليل قومها … مآتم تبكيها بكينا مع الشهب

حمدنا بكاءَ الزُّهْرِ بنتَ محمَّد … وهل ندبت إلاَّ ابنة السيد الندب

مضَتْ ولها ذِكْرٌ من الدين والتّقى … تفسّره للعجم ألسنة العرب

أيصبحُ قلبي بالأسى غيرَ ذائبٍ … وقلبُ الثرى قاسٍ على قلبها الرطب

وكنتُ إذا ما ضاق صدري بحادثٍ … فزعتُ بنجواه إلى صدرها الرحب

وتُذهبُ عني همّ نفسي كأنها … شَفَتْ غُلَّة َ الظمآن بالبارد العذب

أهاتفة ً باسمي عليّ تَعَطّفاً … حنينَ عطوفٍ شقّ سامِعَتِي سَقْبِ

أبوكِ الذي من غرسه طالت العلى … وأُسْنِدَ عامُ المحلْ فِيهِ إلى الخصب

تَنَسّكَ فِي بِرٍّ ثمانين حِجَّة ً … فيا طول عُمرٍ فيه فرّ إلى الرب

ضممت إلى صدري بكفّي جسمه … وأسندتُ مخضرّ الجنابِ إلى الجنب

تبرّكتِ الأيدي بتسوية الثرَى … على جبلٍ راسي الأناة ِ على هضبِ

أغارَ لهم ماءُ الجموم بعبرة … أم أنبَتّ في أيديهمُ كَرَبُ الغُرْبِ؟

فيا ليتني شاهدتُ نعشكِ إذا مشى … حواليه: لا أهلي حفاة ً ولا صحبي

ودفنكِ بالأيدي الغريبة والتقت … مع الموت في إخفاء شخصك في حدب

فأبسط خدي فوق لحدك رحمة ً … وتُسفي عليه الترب عيناي بالهدب

أرى جسمك المرموسَ من روحه عفا … وأصبحَ معموراً به جدثُ الترب

فلو أن روحي كان كسبي وهبته … لجسمك، لكن ليس روحيَ من كسبي

ولَوْ تُنظم الأحساب يوْماً قَلائِدا … لقلد منها جَوْهَرُ الحسبِ اللّبِّ

أبا الحسن الأيامُ تَصرعُ بالغنى … وتُعقِبُ بالبلوى وتخدع بالحبّ

مصابك فيها من مصابي وجدته … وحزنك من حزني وكربك من كربي

فصبراً فليس الأجر إلا صابراً … على الدهر إن الدهر لم يخلُ من خطبِ

ألم ترَ أنا في نوًى مستمرة … نروح ونغدو كالمصر على الذنب

فلا وصل إلاّ بين أسمائنا التي … تسافرُ منَّا في مُعَنْونَة ِ الكتبِ

فدائمة السقيا سماءُ مدامعي … لخدي، وأرض الخدّ دائمة الشرب