حيى ربوع الحي من نعمان – لسان الدين الخطيب

حيى ربوع الحي من نعمان … جود الحيا وسواجم الأجفان

دار عهدت بها الشبيبة دوحة … طيب الحياة بيها جني دان

أيام جفن الدهر عنا مطبق … فيها وأجفان السعود روان

بتنا نجر بها برود عفافنا … قشب الجيوب صوافي الأردان

في فتية يتحاورون بدائعا … كلقيط در أو سقيط جمان

وإذا ثنتهم أريحية مطرب … قلت النعامى في غصون البان

غاض الزمان بها تنعم عيشة … فأحالها والدهر ذو الوان

وسروا وقد أقعى الظلام وغممت … نهر الثريا غابة السرطان

فالسهد بعدهم أليف محاجر … والوجد إثرهم حليف جنان

حسبي من الأيام أني بعدهم … لا أبتغي سببا إلى السلوان

ولرب معتاد السفار رمت به … أيدي الركاب نوازح البلدان

ألف الترحل لا يقيم ببلدة … إلا مقام العذل في الأذان

عاطيته راحا من الأدب الذي … مزجت سلافته بصرف بيان

وهززت دوح بدائهي فتساقطت … رطب المعاني تستفز الجان

فأصاخ مستمعا وقال تعجبا … إن الخمول نتيجة الأوطان

ولأنت يا هذا ضياع مغفل … بين الكساد ومرخص الأثمان

هلا سلكت ذرى قلوصك ظاعنا … لتحل إعظاما ذرى كيوان

تصدى سيوف الهند في أجفانها … والفخر إن بانت على الأجفان

إن التواني جد مستودع الشقى … وكذا الهوينى أم كل هوان

فأجبته ليس التنقل مذهبي … كلا ولاحت الركائب شان

أي البلاد ألم أم أي الورى … أبغي فأصرف نحو ذاك عنان

وبباب مولانا المؤيد يوسف … ما شئت من حسنى ومن إحسان

النهر من مضربه والقطر من … لدم وروض الشعب من إيوان

وسحاب جود يمينه لا ينثني … تسكابها عن وابل هتان

أيقنت لما أن مثلت ببابه … أن النجوم تشوفت لمكان

شاهدت كسرى منه في إيوانه … ولقيت رب التاج من غمدان

من آل سعد الخزرج بن عبادة … صحب الرسول وأسرة الفرقان

المؤثرين على النفوس بزادهم … والمفعمين حقائب الضيفان

إن سوبقوا سبق المدى أو كوثروا … فهم النجوم علا وعز مكان

قوم إذا لاثوا العمائم واحتبوا … ذلت لعزهم ذوو التيجان

أو قام في نادي الملوك خطيبهم … خروا له رهبا على الأذقان

أسليل مجدهم وسبط فخارهم … ومؤمل القاصي وقصد الدان

أعليت بنيانا على ما أسسوا … فتعاضد البنيان بالبنيان

فهم الأصول زكت ولكن إنما … فضل الجنى من شيمة الأفنان

عجبا لمن يعتد دونك جنة … وغرار سيفك في يد الرحمان

ولمن عصاك وظن أن ستجيره … أنصار جار أو سحيق مكان

لكم جنى نصر مآثر لم تكن … لبني الرشيد ولا بني مروان

باهت بلادكم البلاد فأصبحت … غرناطة تزهى على بغدان

قمتم بأمر الله في أقطارها … ما بين غلظة قدرة وليان

قدتم بها الجرد المذاكي شردا … غبر النواصي ضمر الأبدان

وقهرتم من رامها لمساءة … فغدا معنى ربقة الأذعان

لله يوم المرج لا بعدت به … أيدي الزمان وشفعته بثان

صدمته أحزاب الضلال كأنما … هول الجبال تخب في أرسان

هابوا الشرى فتخاذلت عزاماتهم … جهل الرعاة قضى بهلاك الضان

فكأنهم والمشرفية فوقهم … نار القبول أتت على قربان

لله نارا هلكت عبادها … هندية تغدو بغير دخان

نار ولكن في متون غرارها … ماء يؤجج غلة الظمآن

وكذا السيوف ملثمة أنواؤها … والشمس في جدي وفي سرطان

ورسمتم تاريخ كل وقيعة … في مهرق التلعات والكثبان

أعضاؤهم فيها حروف قطعت … أثر المداد بها نجيع قان

فاضرب بخيشك ما وراء ثغورهم … فمن الملائك دونه جيشان

لن تلقى مجتمعا لكفر بعدها … قد حيل بين العير والنزوان

بشراك أن الله أكمل عيدنا … بالعفو منك ومنه وبالغفران

عيد أعاد على الزمان شبابه … فاعجب لأشمط عيد في ريعان

أضحى بك الأضحى وقد طلعت به … شمس الضحى وكلاكما شمسان

ومددت للتقبيل يمناك التي … هي والحيا في نفعها سيان

شكرت لك الدنيا صنيعكما عندها … لما شفيت زمانة الأزمان

أندرت قبل النضج لما جئتها … ملكا وكان البرء في البحران

مولاي لا تنسى وسائل من له … للدولة الغراء سبق رهان

واسأل مواقفنا ببابك يوم لم … يدع لخدمته سوى الخلصان

قد كان والدك الرضى يرعى لها … ذمما ويذكرها مع الأحيان

خدما رآها بالعيان حميدة … والموت يحضر من ظبا لسنان

فلكم يدهي الرق في أعناقها … ولنا حقوق نصائح العبدان

خذها أمير المسلمين بديعة … سحبت بدائعها على سحبان

تطوي البلاد مشارقا ومغاربا … قسية تثني بكل لسان

ويقر بالتقصير عند سماعها … رب القصائد في بني حمدان

سلفت نسيم الروض رقة عطفها … ووقارها على ثهلان

قضت البلاغة لي بفوز قداحها … في الشعر يوم تنازع الخصمان

ونبغت في زمن أخير أهله … ما ضر أني لست من ذبيان

ما كل من نظم القوافي شاعر … أو كل مصقول الغرار يمان

إن لم أدعها في امتداحك فذة … مثلا شرودا لست من سلمان