حكاية سنين – عبدالله البردوني

من أين أبتدىء الحكاية ؟ … وأضيع في مد النهاية

وأعي نهاية دورها … فتعود من بدء البدايه

تصل الخطيئة بالخطيئة … والجناية بالجنايه

من عهد من ولدوا بلا … سبب وماتوا دون غايه

المسبلين على الذئاب … البيض اجنحة الرعايه

الناسجين عروقهم … لمواكب الطاعون رايه

من حوّلوا المستنقعات … الجائعات الى النفايه

أنصاف آلهة مطوقة … بأسلحة العنايه

ووجوههم كاللافتات … على مواخير الغوايه

كانوا ملوكا ظلّهم … حرم ورقيتهم حمايه

فلحومنا لخيولهم … مرعى وأعظمنا سقايه

وبيادر تعطيهم … حبّات أعيننا جبايه

والله والإسلام في … أبواقهم بعض الدعايه

أيام كانت للذباب … على الجراحات الوصايه

أيام كان السل يأكلنا … وليس لنا درايه

وأبي يعلمنا الضلال … ويسأل الله الهدايه

ويعيذنا ب((المصطفى)) … والصالحين وكل آيه

ويقول : اعتادوا الطوى … كم عادة بدأت هوايه

ويعود يشكو والسعال … يرضّ في فمه الشكايه

أأقصّها ؟ بعضي يهيأني … وبعضي بزدريني

وظلالها خلفي وقدّامي … كأمسية الطعّين

وأعافها فيشدّني … أرقي ويعزفني حنيني

وتزقزق الخلجات في … رأسي كعصفور سجين

فتهيحني ، ومناي يحفر … في حريقي عن معيني

والحرف يمزح في فمي … والسهد يلهث في جبيني

ويمد أغنية تحن … الى الصدى ، ومن الرنين

ولأمي اليمن العجوز … ولابني اليمن الجنين

كانت مواقع خطوه … طينا توحّل فوق طين

أتقول لي ، ومتى ابتدت … سخرية القدر البليد؟

والى بدايتها أعود … على هدى الحلم الشريد

منذ انحنى مغنى ((عليّة)) … واستكان حمى ((الوليد))

واستولد السحب الحبالى … الف ((هارون الرشيد))

حتى امتطى ((جنكيز)) … عاصفة الصواهل والحديد

وهنالك انتعل ((التتار)) … معاطس الشمم العنيد

وتموكبت زمر الذّئاب … على دم الغنم البديد

فاستعجم ((الضّاد)) المبين … وراية الفتح المجيد

أين العروبة ؟ هل هنا … أنفاس ((قيس )) أو ((لبيد))

أين التماعات السيوف … ودفء رنّات القصيد ؟

لا ها هنا نار القرى … تهدى ، ولا عبق الثريد

ونمد تلمس من هناك … ذوائب اليمن السعيد

حيث اختلاجات الغروب … على الربى ، لفتات غيد

حيث المزارع ، وانتظار … الجوع حبّات الحصيد

وبرغمه أدموا إلى … ((صنعاء)) بيدا بعد بيد

فتثآبت أبوابها … لزحوف ((أبرهة)) الجديد

وتهافت الأجداد ، فاتكل … المطيق على القعيد

وتخدّ روا بروائح الموتى … وعهدهم الرغيد

وكما تقلّد أمّ أمّي … لثغة الطفل الوليد

راحوا يعيدون المعاد … عن ((الحسين)) وعن ((يزيد))

عن مهر ((عنترة)) وعن … صمصامة الشيخ الزّبيدي

ومصيرهم حلم على … أهداب شيطان مريد

وتململوا يوما وفي … نظراتهم كل الوعيد

فمحوا دخان ((الترك)) … وارتدّوا إلي الغسق الحميدي

فتخيروا للحكم أوثانا … من الدم والجليد

أهواءهم كمسارب الحيات … في الغار المديد

أو كالمقابر ، يبتلعن … ويستزدن الى المزيد

كانوا عبيد خمولهم … والشعب عبدان العبيد

كانوا يعيرون المدى … شرعية الذبح المبيد

أو يقتلون ويخرجون … يرحمّون على الفقيد

خلف الدخان يمثلون … رواية (( اليمن)) الشهيد

اتقول لي ؟ وهل انطقت … في ذلك العهد النجوم ؟

دفن الغبار هواءه … فتجلمدت فيه الغيوم

وتهدج الراوي كما … يستعطف الام الفطيم

واجتّر نبرته ، وقال … وكفن الزمن السّهوم

تمشي الفصول كما يخشخش … في يد الريح الهشيم

أنّى أصخت فلا صدى … ينبي ، ولا يوحي نسيم

الاّ رفات البائدين … تقيّأتهن الجحيم

وعلى امتداد التيه يزعق … وهدهد )) ويصيح ((بوم))

وهناك كانت قرية … تجثو كما ارتكم الرميم

جوعى ويطبخها الهجير … وتحتسي دمها السّموم

نسيت مواسمها فأشتت … قبل أن تلد الكروم

تروي حكايا الثقوب … فيسعل الجوّ الكليم

ووراء تلويح الطلاء … مدينة جرحى تؤوم

تبيض من بعد كما … يتكلف الضحك اللئيم

وعلى تجاعيد الرماد … يهينم الثلج البهيم

وتغوّر السّنة العجوز … وتبدأ السنة العقيم

حتى تفجر ليلة … حدث كما قالوا : عظيم

فهوى كما زعموا ((الحرام)) … وناح ((زمزم)) و((الحطيم))

ألقته غاشية الى … أخرى الى أدجى وأغشى

فجنازة ((المنصور)) أمس … غدت ((ليحي)) اليوم عرشا

فأجال سبحته وزاد … على امتداد الغش غشا

واذا بعجل ((الترك)) عاد … على الضحايا العزل وحشا

يردي ويجهر أو يحوك … مكايدا حمرا ورقشا

وعلاه (جوخ) فاختفت … أظفاره وأجاد بطشا

وعمامة كبرى تنوج … رأس طاعون موشّى

وتزينه ، للعاثرين … كما يزين الدفن نعشا

فيشق للشعب القبور … ويستحيل الشعب رفشا

وضحية تروي هوى … جلادها وتموت عطشا

ويجود للكف الذي … يعطيه تمزيقا ونهشا

ويعود يستجدي الرغيف … ويرهق التفتيش نبشا

ماذا يقول ؟ ايرتجي ؟ … مولاه ، هل يعطيه قرشا ؟

لا الجوع أنطقه وان … نم الذبول به وأفشا

أتراه لم يحنل فما … فيبوح إطراقا ورعشا

ويحس أذرعه وأرجله … أمام الريح قشا

يهوى وتبلع ما يريد … ضراعة مسخته كبشا

وجه كأقدم درهم … لم يبق فيه المسح نقشا

سنوات ((يحي)) تستقي … دمه ، ويرجوه ويخشى

ويدير أسئلة ، ويحذر … همسه ويعي انكساره

ويهم حقد هوانه … فتفر من دمه الجساره

ويمد عينيه كما … ترنوا الى النسور ((فاره))

فتشد نفقته الطبول … اليه أبّهة الحقاره

وغداة يوم أو مضت … من حيث لا يدري إشاره

فأطل نجم من هناك … ومن هنا لمعت شراره

حتى تنهّد ((حزيز)) … وتناشد الصمت انفجاره

حرّية ((دستور)) صغناه … وأعلينا شعاره

((سجل مكانك )) وانبرى … التاريخ يحتضن العباره

ةاطل جوّ لم تلد … أمّ الخيالات انتظاره

وهناك أدرك ((شهرزاد)) … الصبح ، فارتقبت نهاره

وانثال أسبوع ، تزف … عرائس الفجر اخضراره

وتلاه ثان لحنّت … بشراه أعراق الحجاره

حتى تبدّى ثالث … لمحت ولادته انتحاره

حشد الخريف إزاءه … همجية الريح المثاره

وتلاقت الغلوات حوليه ، … وأشعلت الأغاره

ماذا جرى يا ((شهرزاد)) ؟ … تضاحكي ، يا للمراره

عشرون يوما ، وانثنى … الماضي ، فردينا الأغاره

يسطو ، فتعتصر الربى … يده ، ويسبقه الصّباح

ويزف أعراس الفتوح … الى مقاصره السفاح

الجنّ بعض جنوده … والدّهر في يده سلاح

أو هكذا نبح الدعاة … وعمّم الفزع النباح

فاحمرّ من وهج المذابح … في ملامحه ارتياح

واغبّر بالذبح المسير … وماد بالجثث الرّواح

وسرى ، وعاد ((السندباد)) … ودربه الدم ، والنّواح

خمس من السنوات لا … ليل لهن ولا صباح

يبست على السهد العيون … وأقعد الزمن الكساح

((ناشدتك الإحساس يا أقلام )) … واختنق الصّداح

لم ينبض الوادي ولم … ينست لعصفور جناح

أو ينطوي صوت النبي … وتدّعى فمه ((سجاح))

فدوى ((الزبيري)) الشريد … وأفشت الوعد الرياح

وتناقل الجوّ الصّدى … فزقى التهامس والطماح

ويحدق الراعي فتخبره … مراتعه الفساح

ستكل يوما ((شهرزاد)) … ويسكت السّمر المباح

فاذا ((الثلايا)) والبطولة … يركلان شموخ ((صاله))

فتضاءل ((الفيل)) المخدر … وارتدى جلد ((الثعاله))

وكموعد الرؤيا أراح … الجنّ ، واطرّح الجلالة

وانحط تاج ، وارتقى … تاج ، عمودا من عماله

فتحسس الفيل المهيض ، … قواه ، وابتدر العجاله

والشارع المشلول يزمر ، للبطولة … والسّفاله

وكما انتهى الشوط ايتدى … يذكى الدّم الغالي مجاله

فيمد عفريت الدخان … على أشعته ، ظلاله

ويخاف أن يلد ((الثلايا)) … قبره ، ويرى احتماله

فتعسكر الاشباح في … أهداب عينيه خياله

من ذا ؟ ويتهم الصدى … وتدين يمناه شماله

واستنزف الفلك المعطل … عن جناحيه البطاله

وانساق يغزل كل حين … كوكبا ، ويديرها له

ويشب نجما ، لم يعد … من نبضه الا ثماله

وهنا تلفّت موعد … في أعين القمم المشاله

وتدافع الزمن الكسيح … على جناح من علاله

وانثال كالريح العجول … يلوّن الفلك اشتعاله

وتساءلت عيناه ، من ذا … ها هنا ؟ فرأى حياله

إشراقة (( العلفى)) إطراق … ((اللقية)) وانفعاله

فرمى على زنديهما الجلّى … واعباه الرساله

والى العشي تعاقدا … واستبطأا سير الثواني

أيكون مستشفى ((الحديدة)) … مولد الفجر اليماني

وعلى امتداد اليوم ضمهما … التفرق والتداني

يتفرقان من الشكوك … وللمنى ، يتلاقيان

يتخوفان فيحجمان … ويذكران فيهزأن

هل بحت بالسّر المخيف … الى فلان أو فلان ؟

اني أحاذر من رأيت … على الطريق ومن يراني

كم طال عمر اليوم ، لم … لا يختفي قبل الأوان ؟

حتى ارتمى الشفق الغريب … على سرير الدخان

وكأن هدبي مقلتيه … شاطئان معلّقان

نظرا إليه ، يفتشان … عن الصباح ويسألان

وكما أشار ((الهندوانه)) … أبديا بعض التواني

ومشى الثلاثة شارعين … من المشانق والأماني

يرنو ، أيلمح حمرة ؟ … كلا ، وتلمع نجمتان

فيمور داخل شخصه … شخص غريب الوجه ثاني

ويعي ضمان منجّميه … فيستريح الى الضّمان

ودنا فماج الباب وانهال … السّكون على المكان

من أين نبغته ؟ ويمّم … فجأة ، قسم الغواني

فتنادت الطّلقات فيه … كالزغاريد القوافي

وانهدّ قهّار البنادق … كالجدار الأرجواني

أترى حصاد القبر يرجع … كالرّضيع بلا لبان

وعلى يقين الدفن رد … بنبضتين من البنان

فتطلعت من كل أفق … تسأل الشهب الرواني

كيف انطفا الشهب (الثلاثة) … في ربيع العنفوان

وتراجع ((الباهوت) يحرق … بالمواجع وهو فاني

يحيى ولا يحيى يموت … ولا يموت بكل آن

فتبرجت مأساة ((واق الواق)) … تغدق كالجنان

وتجول تظفر من ذوائبها … غروبا من أغاني

وتهز نهديها اعتلاجات … المحبة والحنان

فاخضر عام بالمواعد … واحتمالات العيان

وأهل عام عسجدي اللمح … صخريّ اللسان

فرمى الى حلق التراب … بقية البطل الجبان

وهنا ابتدى فصل تروّى … فيه ابداع الزمان

ماذا هنا ؟ ((سبتمبر)) … اشواق آلاف الليالي

حرق العصافير الجياع … الى البيادر والغلال

خفق النوافذ وارتجافات … الرياح على التلال

وتطلّع الوادي وأسئلة … النجوم إلى الجبال

وتلهّف الكأس الطريح … الى انهدالات الدوالي

كان احتراقات الإجابة … وابتهالات السؤال

وتلفّت الآتي ، الى … آثار أقدام الأوالي

عشرين عاما قلبّا … حلبت به أمّ النضال

في كل ريشة جانح … منه ((أبو زيد الهلالي))

في النفخة الأولى رمى … بالعرش أغوار الزوال

وأمال زوبعة الرمال … الى سراديب الرمال

يعطي المواسم والمحبة … باليمين وبالشمال

أنى مشى ، أجنى ((الوليد)) … من المنى وأجدّ بالي

موج سماوي النضارة … شاطئاه من اللآلي

ماذا هنا ((سبتمبر)) … أتقول لي ، أجلى المجالي

فوق احتمالات الرجاء … وفوق اخصاب النوال

أتقول لي ؟ وهل انتهى … في جثة الأمس النزوع ؟

واهتاج ثانية فمد … زنوده (( النيل)) الضليع

وأحاطت الخضراء من … أقوى سواعده دروع

فبكل رابية إلى … لحم ابنها ظمأ وجوع

وبكل منعرج إلى … تمزيق اخوته ولوع

فهنالك انقصفت يدان … وثمة انتثرت ضلوع

وهناك خرّت فمه … وهنا هوى تلّ منبع

أرأيت حيث تساقطوا … كيف ازدهى النصر المريع

حيث اغتلى الوادي ولف … ((عليا)) الصمت الجزوع

رضع الدجى دمه فأشمس … قبل أن يعد الطلوع

حيث التي (( الخمري)) ذا … بالغيم واحترق الصقيع

حيث ارتمى (( الكبسي )) أ و … رق منجم ، وشدى ربيع

وأعادت الأحداث … سيرتها فأرعدت الربوع

حتى توارى الأمس … زغردت المآتم والدموع

وهفت أغانيها ، تضجّ … ((ليسلم الشرف الرفيع))

وتبوح للنصر انطلق … فمجالك الأبد اللموع

ولمرضعي ((سبتمبر)) … دمهم ، لقد شب الرضيع

اتظن رابية تنوق … الى دم أغلى يسيل ؟

يا للأسى ، كيف استطب … مماته ((اليمن )) العيل

ماذا استجد فباحت الأصداه ، … وارتجف الذهول

لبّى الدّم الغالي دم … أغلى الى الداعي عجول

أهنا ((الزبيري)) المضرّج ؟ … بل هنا شعب قتيل

وأعادت القمم الحكاية … واستعادتها السهول

من ذا انطوى ؟ علم … خيوط نسيجه الألم البتول

في كل خفق منه ((جبريل)) … وفي فمه رسول

بدأ الرعيل به السرى … فكبا وسار به رعيل

وخبا وراء حنينه … جيل ، واشرق فيه جيل

فغفى وصدق الفجر في … نظراته سحر بليل

أتقول عاجله الافول ؟ … فكيف أشعله الافول ؟

فعلى الجبال من اسمه … شعل مجنّحة تجول

وصدى تعنقده الربى … وهوى تسنبله الحقول

وبكل مرمى ناظر … من لمحة صحو غسيل

كيف انتهى ولخطوه … في كل ثانيه هديل

هو في النهار الذكريات … وفي الدجى الحلم الكحيل

وهنا ضحى من جرحه … وهناك من دمه أصيل

غرب الشهيد وبينه … والمنتهى الموعود ((ميل))

من ذا يكر الى مداه ؟ … وقد خلا منه السبيل

فليبتهج دمه الى … أبعاد غايته وصول

أو ما رأى الشهداء كيف ؟ … اخضوضرت بهم الفصول

فرشوا ((السعيدة )) بالربيع … ليهنأ الصيف البذول