بين ذهاب و معاد – عبدالله البردوني

تلفّتت كالسارق الخائف … إلى العشيق اللّاهث الراجف

مذعورة ترتاع من خطوها … من الخيال الكاذب الطائف

شرشفها المذعور كالغصن في … جوّ الخريف الأصفر العاصف

تمشي و يمشي إثرها و الدجى … حوليهما كالراهب العاكف

وانطلقت وانقضّ في إثرها … كالبرق في إيماضه الخاطف

حتّى احتوى شخصيهما مخدع … غضّ كأفراح الصبا الوارف

فاللّيل رقص عابث كالصبا … و معزف يشدو بلا عازف

ولاح وهمان لعينيهما … كواقف ريصغي إلى واقف

فقنّعت وجهيهما صفرة … كذكريات المذنب الآسف

و أعتم الجوّ فلم يخشيا … على ستار الحبّ من كاشف

و أنصت اللّيل ولم يستمع … إلاّ شكاوى عمره التالف

كأنّه شيخ على وجهه … مقبرة من عهده السالف

شيخ له وجه كدجل الرؤى … ولحية تدعو يد الناتف

أصغى فلم يسمع سوى غيمة … و ثرثرات المطر الواكف

و خطو فلّاح هناك انحنى … يمحو بقايا العرق النازف

هنا اطمأنّت واطمأنّ الفتى … إلى اللّقاء الصاخب القاصف

و حدّقت في مجه محبوبها … تحديقة الظامي إلى الغارف

ووسوست ما سرّ إطراقه … و ما ورا إطراقه العارف ؟

هل أذهلته فتنتي أم أنا … أسعى وراء الموعد الآزف ؟

هل أجتديه ؟ آه أم ألتجي … إلى سلاحي المدمع الذارف ؟

أم لا ينمّ الوجه عن قلبه ؟ … أم حبّه كالدرهم الزائف ؟

لا : لم يكن : إنّي أرى قلبه … في عينه كالشّره الواجف

عيناه في عينيّ لكن متى … يدني فمي من فمه الراشف ؟

و أومأت في ثغرها بسمة … إيماءة الزهر إلى القاطف

فضجّ في أحشاءه موكب … من الحنين الدافق الجارف

فضمّها حتّى ارتمت و ارتمى … على السرير الناعم العاطفي

فضمّ سكّيرا و سكّيره … و شدّ مشغوفا إلى شاغف

و عاد و الفجر وراء الدجى … لمح كهجس الخاطر الكاسف

و فجأة أومت بنان السنى … أيماءة الحسن ؟إلى الواصف

و أقبل الفجر و في جيده … قلادة من جرحه الراعف

فالدرب في إشراقه جدول … مزغرد في جدول هاتف

و كبرياء البعث أهزوجة … على شفاه الموكب الزاحف