حاشاك من ذكر ثنته كئيبا – البحتري

حَاشَاكِ مِنْ ذِكَرٍ ثَنَتْهُ كَئِيبَا، … وَصَبَابَةٍ مَلأتْ حَشَاهُ نُدُوبا

وَهَوًى هَوَى بدُمُوعِهِ، فتَبَادَرَتْ … نَسَقاً، يَطَأنَ تَجَلّداً مَغْلُوبَا

وإذا اتّخَذْتِ الهَجْرَ دارَ إقَامَةٍ، … وأخَذْتِ مِنْ مَحضِ الصّدُودِ نَصِيبَا

أعَداوَةً كانَتْ، فمِنْ عَجَبِ الهَوَى … أنْ يَصْطَفي فيهِ العَدُوُّ حَبيبَا

أمْ وَصْلَةً صُرقَتْ، فَعَادَتْ هِجرَةً، … إنْ عَادَ رَيْعَانُ الشّبَابِ مَشِيبَا

أرَأيْتِهِ مِنْ بَعْدِ جَثْلٍ فاحِمٍ، … جَوْنِ المَفَارِقِ، بالنّهارِ خَضِيبَا

فَعَجِبْتِ مِنْ حَالَينِ خالَفَ منْهُما … رَيْبُ الزّمانِ، وما رَأيتِ عَجيبَا

إنّ الزّمانَ، إذا تَتَابَعَ خَطْوُهُ، … سَبَقَ الطَّلُوبَ، وأدْرَكَ المَطْلُوبا

فَاتَ العُلا بِأبي سَعيدٍ صِنْوِهَا الـ … ـأدنى، وَأعْقَبَهَا أبَا يَعْقُوبَا

كالبَدْرِ جَلّى لَيْلَهُ، ثمّ ابْتَدَتْ … شَمسُ المَشَارِقِ، إذْ أجَدّ غُرُوبا

أو كالسماك إذا تدلى روحه … كانت له الكف الخضيب رقيباً

أوْ كالخَرِيفِ مَضَى، وأصْبَحَ بَعدَهُ … وَشْيُ الرّبيعِ، على النّجادِ، قَشيبَا

أوْ كالسّحابِ، إذا انقضَى شُؤبُوبُهُ … أنْشَا يُؤَلّفُ بَعْدَهُ شؤبُوبَا

أوْ كالحُسَامِ، أُعِيرَ حَدّاهُ الرّدَى، … إنْ كَلّ هذا كانَ ذاكَ قَضُوبا

فاليَوْمَ أصْبَحَ شَمْلُنَا مُتَجَمِّعاً، … يُشجي العَدُوَّ، وصدعنا مَرءُوبَا

كَرُمتْ خلائقُ يوسُفَ بنِ مُحمّدٍ … فينَا، وَهُذّبَ فِعْلُهُ تَهْذِيبَا

ألْوَى، إذا طَعَنَ المُدَجَّجَ صَكَّهُ … ليَدَيْهِ، أوْ نَثَرَ القَناةَ كَعُوبَا

أعْلَى الخَليفَةُ قَدْرَهُ، وأحَلّهُ … شَرَفاً، يَبيتُ النّجْمُ منهُ قَرِيبَا

ورَمَى بِثُغْرَتِهِ الثّغُورَ، فسَدّها، … طَلْقَ اليَدَيْنِ، مُؤمَّلاً، مرْهُوبَا

وأنَا النّذيرُ لِمَنْ تَغَطْرَسَ أوْ طَغَى، … مِنْ مارِقٍ يَدَعُ النّحُورَ جُيُوبَا

وَلَقَدْ عَذَلْتُ أبَا أُمَيّةَ، لوْ وعَتْ … أُذُنَاهُ ذاكَ العَذْلَ، والتّأنِيبَا

بالسّيْفِ أرْسَلَهُ الخَليفَةُ مُصْلَتاً، … والمَوْتُ هَبّ مِنَ العِرَاقِ جَنُوبَا

قَصَدَ الهُدَى بالمُعْضِلاتِ يَكيدُهُ، … وَدَعَا إلى إذْلاَلِهِ، فأُجِيبَا

حَتّى تَقَنّصَ في أظَافِرِ ضَيْغَمٍ، … مَلأتْ هَمَاهِمُهُ القُلُوبَ وَجِيبَا

وَنَهَيْتَ آشُوطَ بنَ حَمْزَةَ أوْ نهَى … أمَلاً كَبَارِقَةِ الجَهامِ كَذُوبَا

ظَنّ الظّنُونَ صَوَاعِداً، فَرَدَدْتَهُ … خَزْيَانَ، يَحمِلُ مَنكِباً مَنكُوبا

مُتَقَسِّمَ الأحْشَاءِ، يَنفُضُ رَوْعُهُ … قَلْباً كأُنْبُوبِ اليَرَاعِ، نَخِيبَا

كَلِفاً بشِعْبِ نَقانَ، يَعلَمُ أنّهُ … لاقٍ، متى ما زالَ عَنْهُ، شَعُوبا

ثَكِلَتكَ كافِرَةٌ أتَتْ بكَ فَجْرَةً، … ألاّ اجتَنَبْتَ العَارِضَ المَجْنُونَا

حذّرْتُكَ المَلِكَ الذي اجْتَمَعَتْ لَهُ … أيْدي المُلُوكِ قَبَائِلاً، وَشُعُوبا

ساداتُ نَبْهَانَ بنِ عَمْروٍ أقْبَلُوا … يُزْجُونَ قَحْطَبَةً به، وَشَبيبَا

وَجَحَاجحُ الأزْدِ بنِ غَوْثٍ حَوْلَهُ … فِرَقاً، يَهُزّونَ اللِّحَاءَ الشِّيبَا

والصِّيدُ مِنْ أوْدِ بنِ صَعْبٍ، إنّهُمْ … باتُو عَلَيْكَ حَوَادِثاً، وَخُطُوبا

وَحُماةُ هَمْدَانَ بنِ أوْسَلَةَ، التي … أمْسَيْتَ مأكُولاً بِهِمْ، مَشرُوبَا

عُصَبٌ يَمانيَةٌ، يَعِدْنَكَ، إنْ تَعُدْ … يَوْماً كأيّامِ الحَيَاةِ عَصِيبَا

لا يُحجِمُونَ عنِ الفَلاَ أن يَقطَعُوا … مِنْها إلَيْكَ سَبَاسِباً، وَسُهُوبا

مُتَوَقِّعِينَ لأمْرِ أغْلَبَ لمْ يَزَلْ … جُرْحُ الضّلالِ، على يَدَيهِ، رَحِيبَا

أفْضَى إلى إيدَامَ جَرْدَ، وَدونَها … لَيْلٌ يَبِيتُ اللّيْلُ فيهِ غَرِيبَا

فأفَاءَها وافي العزِيمَةِ، صَدّقَتْ … أيّامُهُ التّرْغِيبَ، والتّرهِيبَا

وَلَوَانّهَا امتَنَعَتْ لَغَادَرَ هَضْبَهَا، … بِدَمِ المُحَاوِلِ مَنْعَهَا، مَهْضُوبا

يا أهْلَ حَوْزَةِ أذْرَبِيجَانَ الألى … حازُوا المَكَارِمَ مَشْهَداً، وَمَغِيبا

ما كانَ نَصْرُكُمُ بمَذْمُومٍ، وَلا … إحْسَانُكُمْ بالسّيّئاتِ مَشُوبَا

لَمْ تَقْصُرِ الأيْدِي، وَلَمْ تَنْبُ الظُّبَا … مِنْكُمْ، وَلَمْ تَكُنِ المَقَالَةُ حُوبَا

وَأرَى الوَفَاءَ، مُفَرَّقاً وَمُجَمَّعاً، … يَحْتَلُّ مِنْكُمْ ألْسُناً، وَقُلُوبا

ها إنّ نَجمَكُمُ، عَلى كُرْهِ العِدَى، … يَعْلُو، وَرِيحَكُمُ تَزِيدُ هُبُوبا

يَكفيكُمُ حَسَباً، وَوَاسِطُ دَارُكُمْ … نَسَباً، إذا وَصَلَ النّسيبُ نَسِيبَا

وَليَ البِلادَ، فكانَ عَدْلاً شائِعاً … يَنْفي الظّلامَ، وَنَائِلاً مَوْهُوبَا

وَغَدَتْ نَوَافِلُهُ لَكُمُ مَبْذُولَةً، … وَشَذاهُ عَنكُمْ نائِياً مَحْجُوبا

فأفَادَ مُحسِنُكُم، وقالَ لمُخطىءٍ: … لا لَوْمَ في خَطَإٍ، وَلاَ تَثْرِيبَا