ترى الليل يقضي عقبة من هزيعه – البحتري

تُرَى اللّيلُ يَقضِي عُقبَةً من هَزِيعِهِ، … أمِ الصّبْحُ يَجلُو غُرّةً من صَديعِهِ

أوِ المَنْزِلُ العافي يَرُدُّ أنيسَهُ … بُكَاءٌ عَلى أطْلاَلِهِ، وَرُبُوعِهِ

إذا ارْتَفَقَ المُشْتَاقُ كانَ سُهَادُهُ … أحَقَّ بجَفْنَيْ عَيْنِهِ مِنْ هُجُوعِهِ

وَلُوعُكَ أنّ الصّبّ إمّا مُتَمِّمٌ … على وَجْدِهِ، أوْ زَائِدٌ في وَلُوعِهِ

وَلاَ تَتَعَجّبْ مِنْ تَمَادِيهِ إنّهَا … صَبَابَةُ قَلْبٍ مُؤيِسٍ مِنْ نُزُوعِهِ

وَكنتُ أُرَجّي في الشّبَابِ شَفَاعةً، … وَكَيْفَ لبَاغي حَاجَةٍ بشَفيعِهِ

مَشيبٌ كَنَثّ السّرّ عَيَّ بحَمْلِهِ … مُحَدّثُهُ، أوْ ضَاقَ صَدرُ مُذيعِهِ

تَلاَحَقَ حتّى كادَ يأتي بطيئُهُ، … بحَثّ اللّيَالي، قَبْلَ أتْيِ سَرِيعِهِ

أخَذْتُ لهَذا الدّهْرِ أُهْبَةَ صَرْفِهِ، … وَلَمّا أُشَارِكْ عاجِزِاً في هُلُوعِهِ

وَلَمْ تُبْنَ دارُ العَجْزِ للمُحْلِسِ الذي … مَطِيّتُهُ مَشْدُودَةٌ بِنُسُوعِهِ

وَلَيْسَ امرَاً إلاّ امرُؤٌ ذَهَبَتْ بِهِ … قَنَاعَتُهُ، مُنْحَازَةً عَنْ قُنُوعِهِ

إذا صَنَعَ الصَّفّارُ سُوءَاً لنَفْسِهِ، … فَلا تَحْسُدِ الصَّفّارَ سُوءَ صَنيعهِ

وَكانَ اختيالُ العِلجِ من عَطَشِ الرّدَى … إلى نَفْسِهِ، شَرَّ النّفُوسِ، وَجُوعِهِ

عَبَا لجَميعِ الشرّ هِمّةَ مَائِقٍ، … وَقَد كانَ يكفي بَعضُهُ من جَمِيعِهِ

وَرَدّتْ يَدَيْهِ، عَنْ مُسَاوَاةِ رَافعٍ، … زِيَادَةُ عالي القَدْرِ عَنْهُ، رَفيعِهِ

بصَوْلَتِهِ كَانَ انْقِضَاضُ بِنَائِهِ … لأسفَلِ سِفْلٍ، وانفِضَاضُ جموعِهِ

وَلَمْ يَنْقَلِبْ مِنْ بَسْتَ، إلاّ وَرَأيُهُ … شَعَاعٌ، وإلاّ رَوْعُهُ شُغْلُ رُوعِهِ

فإنْ يَحْيَ لا يُفلِحْ، وإن يَثْوِ لا يكنْ … لِبَاكٍ عَلَيْهِ مَوْضِعٌ لدُمُوعِه

دَمٌ إنْ يُرَقْ لا يَقْضِ تَبْلاً مَرَاقُهُ، … وَلاَ يُطْفِىءُ الأوْغَامَ لُؤمُ نَجِيعِهِ

شَفَى بَرَحَ الأكْبَادِ أنّ ابنَ طاهِرٍ … هَوَتْ أُمّ عاصِيهِ بسَيْفِ مُطيعِهِ

تُرَجّي خُرَاسَانٌ جِلاَءَ ظَلاَمِهَا … ببَدْرٍ، منَ الغَرْبِ ارْتِقَابُ طُلُوعِهِ

مَتَى يأتِهَا يُعْرَفْ مُقَوِّمُ دَرْئِهَا، … وَلاَ يَخْفَ كافي شأنِهَا من مُضِيعِهِ

مَتَى قِظْتَ في شَرْقِ البِلادِ، فإنّني … زَعِيمٌ بأنّ قَيْظَهُ مِنْ رَبِيعِهِ

لَقَدْ جَشِمَ الأعْدَاءُ وِرْدَ نَفَاسَةٍ … عَلَيْكَ، يُلاقُونَ الرّدى في شُرُوعِهِ

وَكَمْ ظَهَرَتْ، بعْدَ استِتَارِ مكانِها، … شَنَاةٌ، خَباها كاشحٌ في ضُلُوعِهِ

وَمَرْضَى من الحُسّادِ قد كانَ شَفَّهُمْ … تَوَقُّعُ هَذا الأمْرِ، قَبْلَ وُقُوعِهِ

وَمَا عُذْرُهُمْ في أنْ تُعَلّ صُدُورُهمْ … على ناشرِ الإحْسانِ فيهِمْ، مُشيعِهِ

لَئِنْ شَهَرَ السّلطانُ أمضَى سُيُوفِهِ، … وَرَشّحَ عُودُ المُلْكِ أزْكَى فُرُوعِهِ

فَلاَ عَجَبٌ أنْ يَطْلُبَ السّيلُ نَهْجَهُ، … وأنْ يَستَقيمَ المُشتَري مِنْ رُجُوعِهِ