ترك السواد للابسيه وبيضا – البحتري

تَرَكَ السّوَادَ للابِسِيهِ، وَبَيّضَا، … وَنَضَا مِنَ السّتّينَ عَنْهُ مَا نَضَا

وشآه أَغْيَدُ في تَصَرُّفِ لحظِهِ … مَرَضٌ أَعلَّ بهِ القُلُوبَ وأمْرَضَا

وَكأنّهُ ألْفَى الصِّبَا، وَجَديدَهُ، … دَيْناً دَنَا ميقَاتُهُ أنْ يُقْتَضَى

أسْيَانُ، أثْرَى مِنْ جَوًى وَصَبَابَةٍ، … وأسَافَ مِنْ وَصْلِ الحِسانِ وأنْفَضَا

كَلِفٌ، يُكَفْكِفُ عَبرَةً مُهْرَاقَةً … أسَفاً على عهدِ الشّبابِ، وما انقَضَى

عَدَدٌ تَكَامَلَ للذّهابِ مَجيئُهُ، … وإذا مُضِيُّ الشّيءِ حانَ، فقد مَضَى

خَفِّضْ عَلَيكَ من الهُمُومِ، فإنّما … يَحظَى برَاحَةِ دَهْرِهِ مَنْ خَفّضَا

وارْفُضْ دَنيَاتِ المَطَامِعِ إنّهَا … شَينٌ يَعُرُّ، وَحَقُّها أنْ تُرْفَضَا

قَعْقَعتُ للبخلاء أذعر جأشهم … ونذِيرةٌ من باتِكٍ أن ُينْتَضَى

وَكَفَاكَ مِنْ حَنَشِ الصّرِيمِ تَهدُّداً … إنْ مَدّ فَضْلَ لسانِهِ أوْ نَضْنَضَا

لمْ يَنْتَهِضْ للمَكْرُمَاتِ مُشَيَّعٌ، … مثلُ الوَزِيرِ، إذا الوَزِيرُ استُنْهِضَا

غَمْرٌ، متى سَخِطَ الخَلائقَ ساخِطٌ، … كانَ الخَليقَ خَليقَةً أن تُرْتَضَى

لَوْ جَاوَدَ الغَيْثُ المُثَجَّجُ كَفَّهُ، … لأتَتْ بأطْوَلَ مِنْ نَداهُ وَأعرَضا

ما كانَ مَوْرِدُنا أُجاجاً عِنْدَهُ، … ثَمَداً، وَلا المَرْعَى الخَصِيبِ تَبرُّضَا

كَمْ مِنْ يَدٍ بَيْضَاءَ مِنْهُ ثَنَى بها … وَجْهاً، بلألاءِ للبَشَاشَةِ، أبْيَضَا

ومَعَاشِرٍ رَدَّ العُبُوسُ وُجُوهَهُمْ … أوْقابَ مَحْنِيَةٍ لَبِسْنَ العِرْمِضا

لا بُورِكَتْ تِلْكَ الخِلالُ ولاَ زكتْ … تِلْكَ الطّرائِقُ ما أدَقّ وأغمَضَا

ما زَالَ لي مِنْ عَزْمَتي وَصَرِيمَتي … سَنَداً يُثَبّتُ وطأتي أنْ تُدْحَضَا

لَسْتُ الذي إنْ عَارَضَتْهُ مُلِمّةٌ، … ألْقَى إلى حُكْمِ الزّمانِ وَفَوّضا

لا يَسْتَفِزَّنِي اللّطِيفُ، وَلاَ أُرَى … تَبَعاً لِبَارِقِ خُلَّبٍ، إنْ أوْمَضَا

أعَدُّ عُدمي للكِرَامِ، وَخَلّتي … شَرَفاً أُتيحَ لَهُمْ، وَمَجداً قُيّضا

والحَمْدُ أنْفَسُ ما تَعَوّضَهُ امرُؤٌ … رُزِىءَ التِّلادَ، إذا المُرَزّأُ عُوِّضَا

قَد قُلتُ لابنِ الشَّلْمَغَانِ، وَرَابَني … مِنْ ظُلْمِهِ لي ما أمَضّ وأرمَضا

لا تُنْكِرَنْ مِنْ جَارِ بَيْتِكَ إنْ طَوَى … أطْنَابَ جانبِ بَيْتِهِ، أوْ قَوّضَا

فالأرْضُ واسِعَةٌ لنُقْلَةِ رَاغِبٍ، … عَمّنْ تَنَقّلَ عَهْدُهُ، وَتَنَقّضا

لا تَهْتَبِلْ إغضَاءَتي، إذ كُنتُ قَدْ … أغضَيْتُ مُشتَمِلاً على جَمرِ الغَضَا

أنَا مَنْ أحَبّ مُصَحَّحاً، وكأنّني … فيما أُعاني منكَ مِمّنْ أُبْغِضَا

أغْبَبْتَ سَيْبَكَ كَيْ يَجُمّ، وإنّما … غُمِدَ الحُسامُ المَشرَفيُّ ليُنْتَضَى

وَسَكَتُّ إلاّ أنْ أُعَرّضَ قائلاً … نَزْراً، وَصَرّحَ جُهْدَهُ مَنْ عَرّضا

ما صَاحِبُ الأقْوَامِ، في حاجاتِهِمْ، … مَنْ ناءَ عِنْدَ شُرُوعِهِنّ، وأعرَضَا

إلاّ يَكُنْ كُثْرٌ، فَقُلُّ عَطِيّةٍ، … يَبلُغْ بها باغي الرّضا بَعضَ الرّضا

أوْ لاَ تَكُنْ هِبَةٌ، فقَرْضٌ يُسّرَتْ … أسبابُهُ، وَكَوَاهِبٍ مَنْ أقْرَضا