بَدَتْ عَقِداتُ الرَّمْلِ وَالجَرَعُ العُفَرُ – الأبيوردي

بَدَتْ عَقِداتُ الرَّمْلِ وَالجَرَعُ العُفَرُ … فمسنا كما يعتنُّ في المرحِ المهرُ

وَدُسْنا بِأَخفافِ المَطِيَّ بِها ثَرى ً … يَنُمُّ على مَسْرى الغَواني بِهِ العِطْرُ

كأَنَّ ديارَ الحيِّ في جنباتها … صَحائفُ ، وَالرَّكْبَ الوُقوفَ بِها سَطْرُ

تَزيدُ عَلى الإقْواءِ حُسْناً كَأَنَّهُمْ … حُلولٌ بِها ، والدَّارُ مِنْ أَهْلِها قَفْرُ

مَحا آيَها صَرْفُ اللَّيالي وَقَلَّما … يُرَجَّى لَما تَطْويهِ أَيدي البِلى نَشْرُ

بما قد ترى مخضرَّة ً عرصاتها … يُجِيب صَهيلَ الأَعْوَجِي بِها الهَدْرُ

ويأوي إليها من لؤيِّ بن غالبٍ … إذا شبَّتِ الهيجاءُ ذو لجبٍ مجرُ

وَكُلُّ فَتًى يَرْدِي بِهِ الطَّرْفُ في الوَغى … مشيحاً كما أوفى على المرقبِ الصَّقرُ

وَأَرْوَعُ وافي اللُّبِّ والسِّلْمِ جامِعٌ … وَفي الحَرْبِ إِنْ حَكَّتْ بِهِ بَرْكَها غَمْرُ

وكم في هوادي سر بهم من مهفهفٍ … إذا خطرَ استعدى على الكفلِ الخصرُ

يَمِيسُ اهْتِزازَ الخُوطِ غازَلَهُ الصَّبا … وينظرُ عن نجلاءَ أضعفها الفترُ

وَمِنْ رَشَأٍ يَثْني عَلَيَّ وِشاحَهُ … بِما حَدَّثَتْهُ عَنْهُ مِنْ عِفَّتي أُزْرُ

لَهُ ريقَة ٌ ماذُقْتُها غَيرَأَنَّني … أظنُّ، وظنِّي صادقٌ أنّها خمرُ

وَوَجْهٌ يَرُدُّ اللَّيلَ صُبْحاً بِهِ السَّنا … وفرعٌ يريكَ الصُّبحَ ليلاً به الشَّعرُ

وجيدٌ كما يعطو إلى البانِ شادنٌ … تفيءُ عليه الظِّلَّ أفنانهُ الخضرُ

وَعَينٌ كَما تَرْنو المَهاة ُ إِلى طَلاً … إذا غابَ عنها اغتالَ خطوتهُ الذُّعرُ

أقولُ لهُ واللَّيلُ واهٍ عقودهُ … كأنَّ توالي شهبهِ اللُّؤلؤُ النَّثرُ:

أتَهْجُرُ مَن غادَرْتَ بَيْنَ ضُلوعِهِ … جوى ً يتلظّى مثلما يقدُ الجمرُ

وَتُلْزِمُهُ أَنْ يَكْتُمَ السِّرَّ بَعْدَما … أطيعَ له الواشي، فسرُّ الهوى جهرُ

وتزعمُ أنّ الهجرَ لا يعقبُ الرَّدى … وَهَل حادِثٌ يَخْشى إِذا أُمِنَ الهَجْرُ 

وَقَفْنا بِمُسْتَنِّ الوَداعِ وَراعَنا … بحزوى غرابُ البينِ، لا ضمَّهُ وكرُ

وألَّفَ ما بينَ التَّبسُّمِ والبُكا … سلوٌّ ووجدٌ عيلَ بينهما الصَّبرُ

فواللهِ ما أدري أثغركِ أدمعي … غداة َ تفرَّقنا أمِ الأدمعُ الثَّغرُ

تَبَرَّمَتِ الأجْفانُ بَعْدَكِ بِالكَرى … فَلا تَلْتَقي أوْ نَلْتَقي ، وَلَها العُذْرُ

تغيبُ فلا يحلى بعينيَ منظرٌ … وَيَكْثُرُ مِنِّي نَحْوَهُ النَّظَرُ الشَّزْرُ

ويلفظُ سمعي منطقاً لم تفه بهِ … على أنَّهُ كالسِّحرِ، لا بل هو السِّحرُ

فَفيه وما كُلُّ الكَلامِ بِمُشْتَهى … سوى مَدْحِ فَخْرِ الدِّينِ عَنْ مِثْلِهِ وَقْرُ

خطا فوقَ أعناق الأعادي إلى علاً … لها بينَ أطرافِ القنا مسلكٌ وعرُ

بِماضي الشَّبا، رَطْبِ الغِرارَيْنِ لَمْ يَزَل … يُراعُ بِهِ صِيدُ الكُماة ِ أَوِ الجزْرُ

ومرتعدِ الأنبوبِ يروي سنانهُ … دمٌ مائرٌ، والدُّهمُ من نضحهِ شقرُ

لهُ طعناتٌ إن سبرنَ تخاوصتْ … إلى من يداويهنَّ أعينها الخزرُ

إذا ما دعا لبَّاهُ كلُّ سميدعٍ … تُعَلُّ بِكَفَّيْهِ الرُّدَيْنِيَّة ُ السُّمْرُ

يظلُّ وفي ظهرِ الحصانِ مقيلهُ … ويمسي وبطنُ المضرحي لهُ قبرُ

مِنَ المَزْيَدِيّينَ الذّينَ نَداهُمُ … لمستمطريهِ لا بكيٌّ ولا نزرُ

أَكُفٌ سِباطٌ تُمْتَرى نَفَحاتُها … إذا لم يكن في درِّ جاذبة ٍ غزرُ

وخيرٌ من المالِ الثَّناءُ لماجدٍ … يراقبُ أعقابَ الأحاديثِ، والذِّكرُ

وَلِلجارِ فيهُمْ ذِمَّة ٌ لَم يُهِبْ بِها … وقد أطفأَ المثرونَ نارَ القرى غدرُ

يحلُّ يفاعاً يخزرُ النَّجمُ دونهُ … وَيَعْتَنِقُ الجَوْزاءَ في ظِلِّهِ الغَفْرُ

أَذَلُّوا بِسَيفِ الدَّولَة ِ ابنِ بَهائها … رِقاباً فَأَرْخَى مِنْ عَلابِيِّها القَسْرُ

أغرُّ إذا ما النِّكسُ أرتجَ بابهُ … فما دونَ ناديهِ حجابٌ ولا سترٌ

وإن شامَ من ألوى به المحلُ برقه … تيقَّنَ أنَّ العسرَ يتبعهُ اليسرُ

تُبيدُ يَداهُ ما يُفيدُ بِبَأْسِهِ … فَلَيسَ سِوى الذِّكْرِ الجَميلِ لَهُ ذُخْرُ

عليه رداءُ لم يشن صنفاتهِ … أثامٌ وَلَمْ يَعْلَقْ بأَذْيالِهِ وِزْرُ

إذا القُبَّة ُ الوَقْصاءُ مالَ عَمودُهَا … وَقَصَّرَ مِنْ أطْنابِها نُوَبٌ تَعْرو

ولم يسرِ مرقوعُ الأظلِّ على الوجى … رَذِيّ مَطايا حَطَّ أكْوارَها السَّفْرُ

رجا البدوُ منهُ ما يرجَّى من الحيا … وأَمَّلَهُ تَأْميلَ وابِلِهِ الحَضْرُ

لَهُ نِعَمٌ تَنْمِي على الشُّكْرِ في الوَرَى … وإنْ جَحَدوها لَمْ يَحُلْ دونَها الكُفْرُ

هو العُرْفُ، إنْ يُشْكَرْ يُضاعَفْ، وإنْ يُثَبْ … يتابع، وإن يكفر ففي بذلهِ الأجرُ

وحربٍ عوانٍ لم يخض غمراتها … سوى أسديٍّ همُّهُ الفتكة ُ البكرُ

إذا وردتها البيضُ يلهثنَ من صدى ً … رجعنَ رواءٍ وهيَ قانية ٌ حمرُ

يَئنُّ لها الأَبطالُ مِنْ حَذَرِ الرَّدى … أنِينَ هَوامِي العِيسِ أضْجَرَها العِشْرُ

وَيَزْأرُ في حافاتِها كُلُّ ضَيْغَمٍ … إذا كَلَّ فيها نابُهُ خَدَشَ الظُّفرُ

سَما نَحوها في غِلْمة ٍ ناشِريَّة ٍ … لَهُمْ في صَهيلِ الخَيْلِ أَوْ نَقْعِها نُذْرُ

يَفوتونَ بالأوتارِ مَن علِقوا بِهِ … وَتَأْبى العَوالي أنْ يَفوتَهُمُ وِتْرُ

إذا صِيحَ بالشَّعواءِ في الحَيِّ أُسرِجَت … نَزائِعُ مَعصوبٌ بِأَعرافِها النَّصرُ

يَنُمُّ عَلى أَعْراقِها مِنْ رُوائِها … تَباشيرُ عِتقٍ قبلَ أَنْ يُخبَرَ الحُضرُ

فَما راعَهُمْ جَرْسُ الخَلاخيلِ والبُرى … ولا زالَ رُعباً عَنْ مَعاقِدها الخُمْرُ

بَني أَسَدٍ أَنْتُمْ مَعاقِلُ خِنْدِفٍ … إذا ما شَحا فاهُ لَها حَادِثٌ نكرُ

ولا خيرَ إلاَّ في نزارٍ وَخَيرُها … إذا حُصِّلَ الأحسابُدُودَانُ والنَّضرُ

وَفَرعُ بني دُودَانَ سَعْدُ بنُ مالِكٍ … وَكهفُ بني سَعدٍ سواءَة ُ أو نَصرُ

ونَاشِرَة ٌ أَعلى سُواءَة َ مَحْتِداً … إذا قيل: أينَ العِزُّ والعَدَدُ الدَثرُ؟

وَأَثْبَتُها في حَوْمَة ِ الحَرْبِ مالِكٌ … وَعَوفٌ وذو الرُّمحَينِ جدُّكُم عَمروُ

وَمَن كَحُيَيٍّ أَو كَجِلدٍ وَمَرثَدٍ … وَرَيّانَ، والآفاقُ شاحِبَة ٌ غُبْرُ

وَأَرحَبُهُمْ باعاً عَليٌّ وَمَزْيَدٌ … إذا السَّنواتُ الشُّهبُ قَلَّ بها الفَطر

وَمَن كَدُبيسٍ حينَ تُفْتَرشُ القَنَا … إذا النَّقْعُ لَيْلٌ والظُّبى أَنْجُمٌ زُهْرُ

ومازالَ مَنصورٌ يُنيفُ على الوَرى … بِهِ الشَّرَفُ الوَضَّاحُ والحَسَبُ الغَمْرُ

فسِرتَ على آثارِهِ مُتَمهِّلاً … وَلَمْ يَخْتَلِفْ في السَّعْي بَيْنَكُما النَّجْرُ

وَمِنْ أَيِّ عِطْفَيْكَ الْتَفَتَّ تَعَطَّفَتْ … عَلَيكَ بِهِ الشَّمسُ المُضيئَة ُ والبَدرُ

وَمَجْدٌ مُعَمٌّ في العَشيرَة ِ مُخْوَلٌ … أَحَلَّ أَبا المِظفارِ ذِرْوَتَهُ كِسرْ

خَلَفْتُهُمُ في المَكرُماتِ وفي العُلا … كمَا تَخْلُفُ السُّمْرَ المهَنَّدَة ُ البُتْرُ

وَلَو لَمَ يَكنْ فيهم مؤَثَّلُ سؤددٍ … كَفَتْهُمْ مَساعيكَ المُحَجَّلَة ُ الغُرُّ

وَكَم شَيَّدَت أَيَّامُكُمْ مِنْ مَناقِبٍ … يُحَدِّثُ عَنها في مَجَالِسِهَا فِهْرُ

نَشَأْنَ وظِئراها القَواضِبُ والقَنَا … لَدَيْكُمْ وَتِرْباها الكَواكِبُ والدَّهْرُ

وَقائِعُ رَدَّتْ في قُضاعَة َ مَذْحِجاً … يَهَشُّ لِذِكراها ذؤالة والنَّسْرُ

وَقَد شارَكَتْ غَسّانَ فِيهنَّ حِمْيرٌ … ومَا سَلِمَتْ مِنْهُنَّ قَيْسٌ وَلا بَكْرُ

وَهانَ على حَيَّيْ خُزَيمة َ أَنْ ثَوى … عُتَيْبَة ُ أو ذاقَ الرَّدى صاغِراً حُجْرُ

فَإِنَّ سُيوفاً أَغْمَدَتْها حلومُهُمْ … لَتَفْري طُلى يَلْوي أخادعَها الكِبْرُ

وَآثارُها مَشْهورَة ٌ وَغُمودُها … إذا جُرِّدَتْ هامُ المُلوكِ، ولا فَخرُ

عُرِفْنَ بِحَيْثُ الشّمْسُ تُلْقِي جِرانَها … وفي حَيْثُ يَجْلو عَنْ مَباسِمِهِ الفَجْرُ

وَفي أَيّ عَصْرِ الجاهِلِيَّة ِ لَمْ يَسُدْ … لَكُم سَرَواتِ العُربِ مَنْ أَمرهُ الأَمرُ

وَلَمّا أَتى الإسْلامُ قُمْتُمْ بِنَصْرِهِ … فَلَمْ يَفْتَتَحْ إلاّ بِأَسْيافِكُمْ مِصْرُ

وَأَنتم إذا عُدَّت مَعَدٌّ بِمَنزلٍ … يُجَاوِرُ أَحْناءَ الفُؤادِ بِهِ الصَّدْرُ

وَمُنْتَعِلاتٍ بالنَّجيعِ زَجَرْتُها … وَهُنَّ بقايا هَجْمَة ٍ، سَوْطُها الزجْرُ

عَدا نَسَلانَ الذِّئبِ في أُخرياتِها … أُشَيْعِثُ مَشْدودٌ بِأَمْثالِهِ الأُزْرُ

رَحيضُ حواشي البُرْدِ، ماشانَهُ الخنى … خَفيضُ نَواحي النُّطقِ، ما شابَهُ الهُجْرُ

نَهوضٌ بِأَعباءِ الرَّفيقِ، وإنْ غَلا … عَلى مُنْحنَى الأَضْلاعِ مِنْ صَحْبِهِ غِمْرُ

إذا ماسِراجُ اليَومِ أَطْفَأَهُ الدُّجى … مَشَى كَنَزيفِ القَوْمِ رَنَّحَهُ السُّكرُ

يَجوبُ بِها، والنَّومُ حُلْوٌ مَذاقُهُ … أَديمَ الفَلا وَهناً، وَإسآدها مُرٌ

لَواغِبُ يُحْذَيْنَ السَّريحَ مِنَ الحَفا … وَأوْساطُها يِشْكُو بِها القَلَقَ الضُّفْرُ

أُنِخْنَ وَقَد دانى خُطاها كَلالُها … إليكَ، فَأّدْنَتْها البَشاشَة ُ والْبِشْرُ

وَقَد شَمِلَتْ عَدنانَ نِعْمَتُكَ التي … نَعَشْتَ بِها قَحْطانَ إذْ خانَها الوَفْرُ

فَإِنَّكَ بَحْرٌ، والقَوافي لآلىء ٌ … فَما لِخُزَيْمِيٍّ يُحالِفُهُ الفَقْرُ؟

وَلَو لَمْ أُجاوِرْ تَغْلِبَ بْنَة َ وائِلٍ … قَرَعْتُ ظَنابيبَ النَّوى ، وَيَدِي صِفْرُ

… كثيرونَ إلاَّ أَنْ يُقَلِّلَهُمْ خُبْرُ

وقَد ساءَني طُولُ الصُّدودِ فَلَم أَبُح … بِذَاكَ، وَأعناقُ العِدا دُونَنا صُعْرُ

وَعَيَّرْتَني تأخيرَ مَدْحِكَ بُرْهَة ً … وَمِنْ أَيْنَ يَسْتَوفي مَناقِبَكَ الشِّعرُ 

وَفَضُلُكَ لا يَسْتَوعِبُ الحَصْرُ وَصْفَهُ … وَمَجْدُكَ يَكْبو دونَ غاياتِهِ الفِكْرُ

وَمِنْ شِيَمي أَنْ أُبليَ العُذْرَ فاستَمِعْ … ثَناءً كَما يُثني عَلى الوابِلِ الزَّهْرُ

فَإنَّكَ بَحْرٌ، والقَوافي لآلئُ … وَلا غَرْوَ أَنْ يُستَودَعَ الُّلؤلُؤَ البَحْرُ

وَكُلُّ مَديحٍ فيكَ يَخلُدُ ذِكرُه … فَمَجْدُكَ والمَدْحُ القِلادَة ُ والنَّحرُ

وَخَيرُ قريضِ القَومِ ما طالَ عُمْرُهُ … عَلى عُقَبِ الأَيّامِ، طالَ لَكَ العُمْرُ