بعينك لوعة القلب الرهين – البحتري
بعَيْنِكِ لَوْعَةُ القَلْبِ الرّهِينِ، … وَفَرْطُ تَتَابُعِ الدّمعِ الهَتُونِ
وَقَدْ أصْغَيْتِ للوَاشِينَ، حَتّى … رَكَنْتِ إلَيهِمِ بَعْضَ الرّكُونِ
وَلَو جَازَيْتِ صَبّاً عَنْ هَوَاهُ … لَكَانَ العدْلُ الاّ تَهْجُرِيني
نَظَرْتُ، وَكم نَظَرْتُ فأقصَدَتْني … فُجاءَاتُ البُدُورِ على الغُصُونِ
وَرُبَّةَ نَظْرَةٍ أقْلَعْتُ عَنهَا … بسُكْرٍ في التّصَابِي، أو جُنُونِ
فَيَا لله ما تَلْقَى القُلُوبُ الـ … ـهَوَائِمُ مِنْ جَنِايَاتِ العُيُونِ
وَقَدْ يَئِسَ العَواذِلُ مِنْ فُؤَادٍ … لَجُوجٍ في غِوَايَتِهِ، حَرُونِ
فَمَنْ يَذْهَلْ أحِبّتَهُ، فإنّي … كُفيتُ مِنَ الصَبَابَةِ مَا يَلِيني
وَلي بَينَ القُصُورِ إلى قُوَيْقٍ … أليفٌ أصْطَفيهِ، وَيَصْطَفيني
يُعَارِضُ ذِكْرُهُ في كلّ وَقْتٍ، … وَيَطْرُقُ طَيْفُهُ في كلّ حِينِ
لَقَدْ حَمَلَ الخِلاَفَةَ مُسْتَقِلٌّ … بِهَا، وَبِحَقّهِ فيهَا المُبِينِ
يَسُوسُ الدّينَ والدّنيا بِرَأيٍ، … رِضًى لله في دُنْيَا وَدِينِ
تَنَاوَلَ جُودُهُ أقصَى الأمَاني، … وَصَدّقَ فِعْلُهُ حُسْنَ الظّنُونِ
فَما بالدّهرِ مِنْ بَهَجٍ وَحُسْنٍ، … وَما بالعَيشِ مِنْ خَفْضٍ وَلِينِ
وَلَمْ تُخْلَقْ يَدُ المُعْتَزّ إلاّ … لِحَوْزِ الحَمْدِ بالخَطَرِ الثّمِينِ
تَرُوعُ المَالَ ضُحْكتُهُ، إذا مَا … غَدا مُتَهَلِّلاً، طَلْقَ الجَبِينِ
أمِينَ الله، والمُعْطَى تُرَاثَ الـ … ـأمينِ، وَصَاحِبَ البَلَدِ الأمِينِ
تَتَابَعَتِ الفُتُوحُ وَهُنّ شَتّى الـ … ـأماكنِ في العِدى، شتّى الفُنُون
فَمَا تَنْفَكُّ بُشرَى عَنْ تَرَدّي … عَدُوٍّ خاضِعٍ لكَ، مُستَكِينِ
فِرَارُ الكَوْكَبِيّ، وَخَيلِ مُوسَى، … تُثيرُ عَجَاجَةَ الحَرْبِ الزَّبُونِ
وَفي أرْضِ الدّيَالِمِ هامُ قَتْلَى، … نِظامُ السّهْلِ مِنها والحُزُونِ
وَقد صَدمتْ عَظيمَ الرّومِ عُظمَى … منَ الأحداثِ قاطِعَةُ الوَتينِ
بنُعْمَى الله عِندَكَ غَيرَ شَكٍّ، … وَرِيحِكَ أقْصَدَتْهُ يَدُ المَنُونِ
نُصِرْتَ على الأعادي بالأَعَادِي، … غَداةَ الرّومُ تَحتَ رَحًى طَحُونِ
يُقَتِّلُ بَعْضُها بَعْضاً بضَرْبٍ … مُبِينٍ للسّوَاعِدِ، والشّؤونِ
إذِ الأبْدَانُ ثَمّ بِلا رؤُوسٍ … تَهاوَى، والسّيُوفُ بلا جُفُونِ
فَدُمْتَ وَدامَ عَبدُ الله بَدْرَ الـ … ـدّجَى في ضَوْئِهِ، وَحَيَا الدُّجُونِ
تُطِيفُ بِهِ المَوَالي، حِينَ يَبدُو، … إطَافَتَها بِمَعْقِلِهَا الحَصِينِ
تَرَى الأَبْصَارَ تُغْضِي عَن مَهِيبٍ … وَقُورٍ في مَهَابَتِهِ، رَكِينِ
جَوَادٌ، غَلّسَتْ نُعْماهُ فِينَا، … وَلَمْ يُظْهِرْ بِهَا مَطْلَ الضّنِينِ
ظَنَنْتُ بهِ التي سرّتْ صَديقي، … فَكَانَ الظّنُّ قُدّامَ اليَقِينِ
وَكُنتُ إلَيْهِ في وَعْدٍ شَفيعي، … فصِرْتُ عَلَيْهِ في نُجْحٍ ضَميني
وَمَا وَلِيَ المَكَارِمَ مِثلُ خِرْقٍ … أغَرَّ، يرَى المَواعِدَ كالدّيُونِ
وَصَلْتُ بيُونسَ بنِ بَغَاءَ حَبْلي، … فَرُحْتُ أمُتُّ بالسّبَبِ المَتِينِ
فَقَدْ بَوَّأْتَنِي أَعْلَى مَحَلٍّ … شَرِيفٍ في المَكَانِ بِكَ المَكِينِ
وَمَا أخشَى تَعَذُّرَ ما أعاني … منَ الحَاجَاتِ، إذْ أمْسَى مُعِيني
وإنّ يَدي، وَقد أسنَدتُ أمرِي … إلَيْهِ اليَوْمَ، في يَدِكَ اليَمِينِ