إليك بنفسي حين بعد حشاشة – الفرزدق
إلَيْكَ بَنَفْسي، حين بَعْدَ حُشاشَةٍ، … رِكابَ طَرِيدٍ لا يَزَالُ عَلى نَحْبِ
طَوَاهُنّ مَا بَينَ الجِوَاءِ وَدُومَةٍ، … وَرُكْبَانُهَا، طَيَّ البُرُودِ من العَصْبِ
على شَدَنِيّاتٍ، كَأنّ رُؤوسَهَا … فؤوسٌ إذا رَاحَتْ رَوَاجفُ في نُصْبِ
إذا هي بالرَّكْبِ العِجَالِ تَرَدّفَتْ … نَحايِزَ ضَحّاكِ المَطالعِ في النَّقْبِ
خَبَطْنَ نِعَالَ الجِلْدِ، حتى كأنّها … شَرَاذيمُ في الأرْساغِ من خِرَق العُطبِ
إلَيْكَ تَعَرّقْنَا الذُّرَى بِرِحَالِهَا، … وَكُلَّ قُتَارٍ في سُلامَى وَفي صُلْبِ
أضَرّ بهَا التّرْحَالُ حتى تَحَوّلَتْ … من الأين سُوداً بَعد عيديّةٍ صُهْبِ
وَغِيدٍ من الإدلاجِ تَحسِبُ أنّهُمْ … سُقوا بِنتَ أحَوالٍ تُدارُ على الشِّرْبِ
تَميلُ بهمْ حِيناً وَحِيناً تُقِيمُهُمْ، … وَهُنّ بِنا مِثْلُ القِداحِ من القُضْبِ
حَمَلْنَ مِنَ الحاجاتِ كُلَّ ثَقِيلَةٍ … إلَيْكَ على فَانٍ عَرَائِكُها حُدْبِ
إلى خَيرِ مَأتىً يَطلُبُ الناسُ خَيَرَهُ، … إلَيْهِ مِنَ الآفَاقِ مُجتَمَعُ الرّكْبِ
إلى بابِ مَنْ لمْ نَأتِ نَطْلُبُ غَيرَهُ … بشَرْقٍ من الأرْضِ الفضَاء وَلا غرْبِ
إلى حَيثُ مَدّ المُلْكُ أطنابَ بَيتِهِ … على ابن أبي الأعياص في المنزِل الرّحبِ
إذا ما رَأتْهُ الأرْضُ ظَلّتْ كَأنّهَا … تزَعزَعُ تَستَحيي الإمامَ من الرّعبِ
دَعِي النّاسَ إلاّ ابنَ الخَليفَةِ، إنّهُ … من النّاسِ إنْ بلّغتِني أرْضَهُ حَسبي
وَلَيْسَ بِلاقٍ مثْلَهُ الدّهْرَ خائِفٌ … أتَاهُ على مَاءٍ يَسِيرُ ولا تُرْبِ
بِحَقّ وَليٍّ بَينَ يُوسُفَ عِيصُهُ … وَبَينَ أبي العاصي وَبَينَ بَني حَرْبِ
يُشَدّ بِهِ الإسْلامُ بَعْدَ وَلِيّهِ … أبِيهِ فَأمْسَى الدِّينُ مُلتَئمَ الشَّعْبِ
قُرُومٌ أبُو العاصي أبُوهُمْ كَأنّهُمْ … إذا لَبِسُوا صِيدُ المُعَبَّدَةِ الجُرْبِ
وَصِيّةَ ثَاني اثْنَينِ بَعْدَ مُحَمّدٍ، … ضِرَابَ كِرَامٍ غَيرَ عُزْلٍ وَلا نُكبِ
عمَدتُ بنَفسي حينَ خِفْتُ محيطَةً … إلَيْكَ وَما لي يا ابن مَرْوَانَ من ذنبِ
إلى المَعْقِلِ المَفْزُوعِ من كُلّ جانبٍ … إلَيْهِ وَللغَيْثِ المَغيثِ مِنَ الجَدْبِ
شَفيتَ من الدّاء العِرَاقَ كما شَفَتْ … يَدُ الله بالفُرْقانِ من مَرَضِ القَلبِ
هُوَ المُصْطَفى بَعد الصّفِيّينِ للهُدى، … وفي العيصِ من أهلِ الخلافةِ والقُرْبِ
بِقَوْمٍ أبو العاصي أبُوهُمْ سيوفُهُمْ … مَعاقلُ إذْ صَارَ القِتالُ إلى الضّرْبِ
رَأيْتُ بَني مَرْوَانَ تَفسَحُ عنْهُمُ … سيُوفُهُمُ ضيقَ المَقامِ من الكَرْبِ
وَتَعْرِفُ بالأبْطالِ وَقْعَ سُيُوفِهِمْ … وَآثارَها مِنْ مُندِباتٍ وَمَن خدْبِ
وَعَاوٍ عَوَى حَتى استْثارَ عُوَاؤهُ … أبَا اثنَينِ في عِرّيسِ مَأسَدَةٍ غُلبِ
أمَا كانَ في قَيْسِ بنِ عَيْلانَ نابحُ … فَيَنْبَحَ عَنهُم غَيرُ مُستَوْلغٍ كَلبِ
وكانَ لهمْ لمّا عَوى الكَلبُ دونهُمْ … جَرِيرٌ عَلَيْهِمْ مثلَ رَاغيَةِ السَّقبِ