أمحي رسوم الأنس إن شئت أن تبقي – لسان الدين الخطيب
أمحي رسوم الأنس إن شئت أن تبقي … ذمائي فوف من ودادكم حقي
فليس أخو الترجيح تحسبه أخا … إذا لم يكن عونا على العدل والرفق
عكوفا على اللذات من قبل فوتها … حريصا على الإرشاد في منهج الحق
فخذ منهم أوفى وأصدق لهجة … فليس أخو التمويه مثل أخي الصدق
فكم ليلة بتنا نعاطي وداده … ألذ من العتبى وأشهى من العشق
إذا طارق منهم تأنس للقرى … نحرت له دني ووسدته زق
وقلت لساقينا أدرها سلافة … على صرخة المزمار أو نغمة الورق
فقام بها تحذو أشعة خده … فما قدر الحذاق فيها على الفرق
رقيق حواشي الأنس حين ظهوره … أبيح له مالي ومكن من رق
إذا رمت منه ساقيا ومحدثا … فمن ثغره يلقي ومن لحظه يسقي
من الجانب الغربي أطلع كأسه … كما طلع المريخ من جانب الشرق
سلاف إذا لاحت لمحلولك الدجى … تعهدت لها الطراق في سبل الطرق
بذلنا لها أثمانها قبل ذوقها … لأن شميم المسك أغنى عن الذوق
توالت لها الأحقاب في أرض بابل … فجاءت بنقض الجسم كاملة الخلق
إذا ما أتتها نوبة بعد نوبة … تعذبت فيها الروح من خشية الدق
فخذها على وشي البطاح مبادرا … لعطف من الدنيا ورغد من الرزق
كأن رداء الروض من رقم صانع … لطيف التهدي في الصناعة والحذق
يلين إلى قحط الهجير بنانه … فتسأله النوار عن زابر الودق
فما لبست يوما خليق ثيابها … وما غضت الأجفان إلا لتستسق
تسوق النعامى كل ما ينعش القوى … بفضل مزاج في لطيف من الصدق
إذا ما سرى الوسمي في شبح الثرى … تمخضت الأكوان مفتوقة الرتق
فيصنع من ميت التراب عجائبا … كما صنع الإكسير من حجر الطلق
أليس على الأزهار للشمس سطوة … فتخشى من الأنوار حتى من البرق
إذا نفس الإصباح جن جنونها … فريح الصبا تذكي وورقاؤها ترقي
تشققت الأزهار عن جامد الثرى … كذا جامد الألفاظ أصل لمشتق
وصامتة القلبين تحسب عودها … مشوقا إذا غنى يذوب من الشوق
له قطع مخروط وجيد غزالة … ومنقار طاووس وجفنة مستسق
وقد ولفت أجزاؤه فتحكمت … على نسبة ترضي بواسطة الربق
وقد مدت الأوتار فيه لحكمة … فجاء بديع الخلق مستحسن النطق
إذا جست الغيداء أوسط جيده … سمعت الذي تبدي كمثل الذي تلق
فتحسب فيه من سليمان زاجلا … يترجم منه عن سطيح وعن شق
يجيب خرير الماء نغمة عودها … بما جاء للقمري منه على وفق
كأن غدير النهر في الدوح دارع … على تعب منه إلى الظل مستلق
إذا رفعت عنه الظلال رواقها … تعد بها النينان في الطول والعمق
كأن نجوم الليل والليل راحل … قلوب هفت يوم الفراق من الخفق
وتحسب خيط الفجر مرود فضة … يجول من الآفاق في حدق زرق
فسابق إلى اللذات تحظ بحوزها … فقد وقفوا حوز الرهان على السبق