ألم يك جهلا بعد ستين حجة – الفرزدق

ألَمْ يَكُ جَهْلاً بَعْدَ سِتّينَ حِجّةً … تَذَكُّرُ أُمِّ الفَضْلِ وَالرّأسُ أشْيَبُ

وَقيلُكَ: هَلْ مَعرُوفُها رَاجعٌ لَنا، … وَلَيْسَ لشيءٍ قَد تَفاوَتَ مَطلَبُ

عَلى حِينَ وَلى الدّهْرُ إلاّ أقَلّهُ، … وكادَتْ بَقايا آخِرِ العَيشِ تَذهَبُ

فَإنْ تُؤذِنينا بالفِرَاقِ، فَلَسْتُمُ … بِأوّلِ مَنْ يَنْأى وَمَنْ يَتَجَنّبُ

وكَمْ من حَبيبٍ قَد تَناسَيتُ وَصْلَهُ … يَكادُ فُؤادي، إثْرَهُ، يَتَلَهّبُ

ألَسنا بمحقوقِينَ أنْ نُجهِدَ السُّرَى، … وَأنْ يُرْقِصَ التالي لَنا وَهوَ مُتعَبُ

إلى خَيرِ مَنْ تَحْتَ السّماءِ أمانَةً، … وَأوْلاهُ بالحَقّ الذي لا يُكَذَّبُ

تُعارِضُ باللّيْلِ النّجُومَ رِكَابُنا، … وَبالشمسِ حتى تأفلَ الشمسُ تُذأبُ

أُنِيخَتْ وَما تَدْرِي أما في ظُهورِها … مِنَ القَرْحِ أمْ ما في المَناسِمِ أنْقَبُ

حَلَفتُ بأيدي البُدنِ تَدمى نُحورُها … نَهاراً وَما ضَمّ الصِّفَاحُ وَكَبْكَبُ

لأُمٌّ أتَتْنَا بِالوَلِيدِ خَلِيفَةً، … من الشمسِ، لوْ كانَ ابنُها البدرُ، أنجبُ

وَإنْ شِئتَ مِن عَبسٍ بِكَ مِنْهُمُ … أبٌ لكَ طَلاّبُ التّرَاثِ مَطالِبُ

وَمن عَبدِ شَمسٍ أنتَ سادِسُ ستّةٍ … خَلائِفَ كانوا منِهُمُ العمُّ والأبُ

هُداةً وَمَهْدِيّينَ، عُثمانُ منِهُمُ، … وَمَرْوَانُ وَابنُ الأبْطَحَينِ المُطَيَّبُ

أبُوكَ الذي كانتْ لُؤيُّ بن غالِبٍ … لَهُ من نَوَاصِيها الصّرِيحُ المُهذَّبُ

تَصَعّدَ جَدٌّ بالوَليدِ إلى التي … أرَى كُلَّ جَدٍّ دُونَهَا يَتَصَوّبُ

أرَى الثّقَلَينِ الجِنَّ والإنْسَ أصْبَحا … يَمُدّانِ أعْنَاقاً إلَيْكَ تَقَرَّبُ

وَمَا مِنْهُما إلاّ يُرَجّي كَرَامَةً … بكَفّيكَ أوْ يَخَشَى العِقابَ فيَهرُبُ

وَمَا دُونَ كَفيْكَ انْتِهَاءٌ لِرَاغِبٍ … وَلا لمُنَاهُ مِنْ وَرَائِكَ مَذْهَبُ