أحرى الخطوب بأن يكون عظيما – البحتري

أحْرَى الخُطُوبِ بأنْ يكونَ عَظيمَا … قَوْلُ الجَهُولِ: ألا تَكُونُ حَليمَا

قَبّحْتَ مِنْ جَزَعِ الشّجيّ مُحَسَّناً، … وَمَدَحْتَ مِنْ صَبرِ الخَليّ ذَمِيمَا

وَمَقيلُ عَذْلِكَ في جَوَانِحِ مُغْرَمٍ، … وَجَدَ السّهولَ منَ الغَرَامِ حُزوما

رَاضٍ مِنَ الهَجرِ المُبَرِّحِ بالنّوَى، … وَمِنَ الصّبَابَةِ أنْ يَبيتَ سَلِيمَا

لَيْتَ المَنَازِلَ سِرْنَ يَوْمَ مُتَالِعٍ، … إذْ لَمْ يَكُنْ أُنْسُ الخَليطِ مُقِيمَا

فَلَربّما أرْوَتْ دُمُوعاً مِنْ دَمٍ … فيها، وأظْمَتْ لائِماً وَمَلُومَا

وَلَقَدْ مَنَعتُ الدّارَ إعْلاَنَ الهَوَى، … وَطَوَيْتُ عَنْهَا سِرّكِ المَكْتُوما

فَكَأنّما الوَاشُونَ كانُوا أرْبُعاً … مَمْحُوَّةً لِعِرَاصِها، وَرَسُوما

وَسَلي مُحيلَ الرَّبعِ هَلْ أبْثَثْتُهُ … إلاّ الوُقُوفَ عَلَيْهِ، والتّسليما

لمْ أشكُ حُبّكِ بالنّحُولِ، ولم أُرِدْ … بسَقَامِ جِسْمي أنْ أكونَ سَقيمَا

وَتَفِيضُ مِنْ حَذَرِ الوشاةِ مَدامِعي، … فإذا خَلَوْتُ أفَضْتُهُنّ سُجُومَا

سُقِيَتْ رُبَاكِ بِكُلّ نَوْءٍ جاعِلٍ، … مِنْ وَبْلِهِ، حَقّاً لَهَا مَعْلُوما

فَلَوَ انّني أُعْطيتُ فيهِنّ المُنَى، … لَسَقَيْتُهُنّ بِكَفّ إبْراهِيما

بِسَحَابَةِ غَرّاءَ مُتْئِمَةٍ، إذا … كانَ الجَهَامُ منَ السّحابِ عَقيمَا

وأغَرُّ للفَضْلِ بنِ سَهْلٍ عِنْدَهُ … كَرَمٌ، إذا ما العَمُّ وَرّثَ لُوما

مَلِكٌ، إذا افتَخَرَ الشّرِيفُ بِسُوقةٍ … عَدّ المُلُوكَ خُؤولَةً وَعُمُومَا

مِنْ مَعشَرٍ لحقَتْ أوائِلُ مُلكِهِمْ … خَلَفَ القَبَائِلِ جُرْهُماً، وأمِيمَا

نَزَلُوا بأرْضِ الزّعْفَرَانِ، وغادَرُوا … أرْضاً تَرُبُّ الشِّيحَ والقَيْصُوما

كانُوا أُسُوداً يَقْرَمُونَ إلى العِدَى … نَهَماً، إذا كانَ الرّجالُ قُرُومَا

وابنُ الذي ضَمّ الطّوَائِفَ بَعدَما افْـ … ـتَرَقَتْ، فعَادَتْ جَوْهراً مَنْظُوما

غَشَمَ العَدُوَّ، ولنْ يُقَالُ غَشَمْشَمٌ … للّيْثِ، إلاّ أنْ يَكُونَ غَشُوما

وَرَدَ العِرَاقَ، وَمُلْكُها أيدي سَبَا، … فاسْتَارَ سِيرَةَ أزْدَشِيرَ قَديمَا

جَمَعَ القُلُوبَ، وَكَانَ كُلُّ بنِي أبٍ … عَرَباً لشَحْنَاءِ القُلُوبِ، وَرُومَا

وَرَمَى بنَبْهَانَ بنِ عَمْروٍ مُبعِداً، … فأصَابَ في أقْصَى البِلادِ تَمِيمَا

وَمَضَتْ سَرَايَا خَيْلِهِ، فتَرَاجَعَتْ … بأبي السّرَايَا خَائِباً مَذْمُومَا

أفتى بَني الحَسَنِ بنِ سَهْلٍ إنّهُمْ … فِتْيَانُ فَارِسَ نَجدَةً وَحُلُوما

لا تُوجِبَنْ لكَرِيمِ أصْلِكَ مِنّةً، … لَوْ كُنتَ منْ عُكْلٍ لَكُنتَ كَرِيمَا

فَلَكَ الفَضَائِلُ مِنْ فُنُونِ مَحَاسِنٍ … بِيضاً لإفْرَاطِ الخِلاَفِ، وَشِيمَا

جُمِعَتْ عَليكَ وَللأنَامِ، مُفَرِّقٌ … مِنْهَا، فأفراداً قُسِمنَ، وَتُومَا

مَا نَالَ لَيْثُ الغَابِ إلاّ بَعْضَهَا، … حَتّى رَعَى مُهَجَ النّفُوسِ جَمِيمَا

شَارَكْتَهُ في البأسِ، ثمّ فَضَلْتَهُ … بالجُودِ، مَحقوقاً بذاكَ، زَعِيمَا

وَتَعِزُّ أنْ تَلْتَاثَ يَوْمَ كَرِيهَةٍ … عَنْها، وَتَكرُمُ أنْ تكونَ شَتِيمَا

وإذا ظَفِرْتَ غَفَوْتَ، وَهْوَ إذا رَأى … ظَفَراً على الأقْرَانِ كانَ لَئِيمَا

وَرَأيتُ يَوْمَ نَداكَ أشرَقَ بَهْجَةً، … واهْتَزّ أطْرَافاً، وَرَقّ نَسيما

وَشَهِدْتُ يَوْمَ الغَيثِ في هَطَلاَنِهِ، … جَهْماً مُحَيّاهُ، أغَمَّ، بَهِيمَا

وَيَخُصُّ أرْضاً دونَ أرْضٍ جُودُهُ، … وَسَحَابُ جُودِكَ في العُفَاةِ عُمُومَا

فَعَلاَمَ شَبّهَكَ الجَهُُولُ بذَا وَذا، … بَلْ فِيمَ شَبَّهََكَ المُشَبِّهُ، فيما؟

أُثْنِي عَلَيْكَ ثَنَاءَ مَنْ ألْفَيْتَهُ … غُفْلاً، فَعَادَ بِنِعْمَةٍ مَوْسُومَا

وَشَكَرْتُ مِنْكَ مَوَاهِباً مَشْهُورَةً، … لَوْ سِرْنَ في فَلَكٍ لَكُنّ نُجُومَا

وَمَوَاعِداً، لَوْ كُنّ شَيْئاً ظاهِراً … تُفْضِي إلَيْهِ العَينُ، كُنّ غُيُوما

ألْقَى الحَسُودَ، إذا أرَدْتُ، كأنّني … مِنْ قَبْلُ لَمْ ألْقَ العَدُوّ رَحِيمَا

كانَ ابتِداؤكَ بالعَطَاءِ عَطِيّةً … أُخْرَى، وَبَذْلُكَ للجَسيمِ جَسيمَا