أجز من غلة الصدر العميد – البحتري

أجِزْ منْ غُلّةِ الصّدْرِ العَميدِ، … وَسَكِّنْ نَافِرَ الجائش الشَّرُودِ

فَما جَزعُ الجَزُوعِ مِنَ اللّيالي … بمُحْرِزِهِ، ولا جَلَدُ الجَلِيدِ

جَحَدْنا سُهْمةَ الحَدَثانِ فينا، … لَوَ أنّ الحقّ يبطُلُ بالجُحُودِ

وَنُنْكِرُ أنْ تَطَرّقَنا المنايا، … كأنّا قَدْ خُلِقْنا للخُلودِ

فيا وَيْحَ الحوادِثِ كيْف تُعْطي … شَقِيَّ القَوْمِ من حظِّ السعيدِ

وَكيْفَ تجوزُ، إن همّتْ بحُكمٍ، … فتحْمهلَ للْغَوِيّ عَلى الرّشيدِ

وَمَا بَرِحَتْ صُرُوفُ الدّهرِ، حتى … أرَتْنا الأُسْدَ قتْلى للقُرُودِ

أُعَزّي الأرْيَحِيَّ أبَا عليٍّ … على الخِرْقِ الأغَرِّ أبي سعيدِ

وَمَا عَزّيْتُ إلاّ بحْرَ عِلْمٍ، … نُطيفُ بفَيضِهِ، عن بحْرِ جودِ

قَتِيلٌ لَمْ يُمَهِّلْ قَاتِلُوهُ … مَدَى الأجَلِ المُوَقَّتِ في ثَمودِ

تُدُورِكَ ثَارُهُ غَضّاً، ولَمّا … يُؤخَّرْ لِلْتّهَدّدِ، والوَعِيدِ

وكان السّيْفُ أدْنَى مِنْ ورِيد الْـ … ـمُعِينِ عَلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ

وَلَيْسَ دَمُ اللّعِينِ، وَإنْ شَفانا، … كفيا عِنْدَنا لِدَمِ الشّهيدِ

وَما أرْضَتْكَ من مُهَجِ الموَالي، … غَداةَ رُزِئْتَهَا، مُهَجُ العَبيدِ

فَلَوْ عَلِمَ القَتِيلُ، وَأيُّ عِلْمٍ … لِمَيْتٍ، منْ ورَاء التُّرْبِ، مُودِ

رَأى لأخِيهِ عَزْماً، أنْقذَتْنا … صَريمتُهُ منَ التّلَفِ المُبِيدِ

سَمَا بالخَيْلِ أرْسلاً لِسيما، … فَمِنْ شوسٍ إلى الداعي، وَقُودِ

فَما انْفكّتْ تجُولُ عليْهِ، حتى … تدَهْدَأ رَأسُ جَبّارٍ عَنِيدِ

إذا ما الحَيُّ أعْطَى في أخِيهِ الـ … ـدّنِيئةَ فهْوَ كالمَيْتِ الفَقِيدِ

ذكَرْتُ أخي أبا بكْرٍ، ففاضتْ … دُموعٌ، غَيرُ مُعْوِزَةِ الجمودِ

وَللْفَجْعِ العَتيقِ مُحرِّكاتٌ، … مُهَيِّجَةٌ منَ الفَجْعِ الجَديدِ

سَلامُ الله والسّقيا، سِجالاً، … عَلى تِلْكَ الضّرَائِحِ وَاللحودِ

رَزَايا منْ شُيوخِ الأزْدِ ألْقَتْ … عَلَيْنَا كلَّ مُوهِنَةٍ، هَدُودِ

نَصُكُّ لهَا الجِبَاهَ، إذا احتشمنا، … حياءَ النّاس منْ لَطمِ الخُدودِ

مبَاك نَسْتَزِيدُ الدّمْعَ مِنها، … وَما للدّمْعِ فِيها منْ مَزِيدِ

أقُولُ أبا عليٍّ طِبْتَ حَيّاً، … وَمَيْتاً، تحْتَ أرْوِقَةِ الصّعِيدِ

لقَدْ طَلَبَتْكَ من غُرّ المَرَاثي … قَوَافٍ، مثْلُ أفْوَافِ البُرُودِ

فَلا تبْعُدْ، فما كان المُرَجّي … نَوالَكَ، مِنْ نَوالِكَ، بالبَعِيدِ

هممْتُ بنُصرَةٍ، فعجِزْتُ عنها، … وَأنْتَ تُرَادُ للخَطْبِ المُفيدِ

وَلمّا لمْ أجِدْ للسّيْفِ حَدّاً … أصُولُ بِهِ، نَصَرْتُكَ بالقَصِيدِ