أجدر وأخلق أن ترن عوائدي – البحتري

أجدر وأخلق أن ترن عوائدي … ويساء خلصاني، ويشمت حاسدي

ورد الفراق علي يتلف مهجتي، … يا برح قلبي بالفراق الوارد

ضاقت علي له البلاد بأسرها … حتى خلت الأرض كفة صائد

أيشط من أهوى سليما وادعاً … وأروح في ثوب السليب الفاقد؟

تالله أبقى والأسى بجوانحي … للبين يسقيني بسم أساود

يا ظبية الخيمات من ذات الغضا … صدق الوعيد فأين صدق مواعد؟

ماذا يضرك لو بردت حرارة … بين الحشا برضاب ثغر بارد؟

لو بت تخلجك الهموم أويت لي، … ولكان ليلي منك ليل الراقد

يا حادييها لبثا، لا تعجلا … عني بظبيكما النوار الشارد

قولا له يردد فؤاد متيم … إن كان ليس إلى الوصال بعائد

واها لعينيه اللتين تصدتا … فانصاع إذ رعناه غير معاند

يا دهر هل تدني إلي ديارها … من بعد تعذيبي بطول تباعد

يا دهر، كم قد سؤتني فوجدتني … لا أشتكي السوأى، ولست بجاحد

حتام لا أنفك منك تسومني … خسفاً، وتعسفني بسطوة حاقد

وإذا اضطربت فعن لي وجه الغنى … أسرعت في منعي انسراع محارد

كم قد سموت بجاهل وبخامل … لما حططت أخا حجى ومحاتد

أسعدت في كل الأمور جدودهم … إذ كنت للأحرار غير مساعد

عجباً لأقوام وصلت حبالهم … ورعيت غيبتهم بكل مشاهد

وسترت عيبهم وكنت مجاهدا … من رام نقصهم بكل تجاهد

فرأيت غش صدورهم بعيونهم، … والعين في الحالات أعدل شاهد

فعرفت ذاك، ولم أدع إدناءهم … والحلم بين أقارب وأباعد

حتى سمعت عن الضغائن قولهم … وفعالهم فعل الظلوم الحاسد

فلزمت نفسي لا أكشف غيبهم … وكففت عنهم ناصحي ومعاضدي

فرأوا جميل العفو ضعفاً بعد ما … كفروا جميل الطول كفر الجاحد

فهناك أمضيت الهوان مشمراً … فيهم، ولم أكذب بقول زائد

فوسمت أوجههم سمات ذللت … أعناقهم للخلق بعد قلائد

وأبنت نوكهم بقول صادق … في نثر منثور ونظم قصائد

وجعلتهم ضحك المجالس دهرهم … وتنزهاً لمفجع ولسامد

فإذا رأوني مقبلاً أبصرتهم … سفع الوجوه، بليغهم كالجامد

وإذا تقلبت ادروا بشناعة … مرذولة عند اللبيب الناقد

كل يود لي الردى لو ناله … بالأم يفقد شخصها والوالد

والله أنصر للمسالم ذي الحجى، … والله أخذل للمسيء العاند

قد قلت، لو قبل المقال، ألا احذروا … ليثاً يقضقضكم بأعبل ساعد

فمضوا على غل الصدور، فغودروا … مثل الهشيم لخابط ولصائد

إن كنت تنكر ما أقول، فجارهم … تعرف خزايتهم بيوم واحد

إن الكريم إذا رأى ذا خسة … صدف المودة عنه صدف الطارد

لا تعدون أهل المودة والتقى … تظفر بخير مؤازر ومعاقد