هي الأفلاكُ لا شمُّ القبابِ – مصطفى صادق الرافعي
هي الأفلاكُ لا شمُّ القبابِ … ولا كالفلكِ تجري في العُبَابِ
تدورُ بما تدورُ ونحنُ منها … مكانَ الظلِّ من فوقِ الترابِ
ولو انَّ الورى كانوا عليها … لباتتْ كالسفينةِ في الضبابِ
ولو أنَّ الملائكَ عاشرتهْ … لكنتَ ترى الحمامةَ كالغرابِ
ضعيفٌ وهو أقوى من عليها … قويٌّ وهو أضعفُ من ذبابِ
وليسَ الناسُ أجساماً تراأى … ولكن كلُّ نصلٍ في قرابِ
تفاوتتِ النفوسُ فربَّ نفسٍ … على فلكٍ ونفسٍ في ثيابِ
فلا عجباً إذا الإنسانُ أمسى … لدى الإنسانِ كالشيءِ العُجابِ
فَذُو المالِ اسْتَبَدَّ بكلِّ نفسٍ … وذو الهلمِ استخفَّ وذو الكتابِ
لدُنْ ركبوا سفينَ الدهرِ ظنواً … بني الدنيا متاعاً للركابِ
وليسَ المالُ غيرَ العينِ أما … غدتْ سودُ الحوادثِ كالنقابِ
فلا يفخرْ بصيرٌ عندَ أعمى … فما غيرُ المصابِ سوى المصابِ
سلوا من ظنَّ أمرَ المالِ سهلاً … أكانَ السهلُ إلا بالصعابِ
لعمركُ إنما الذهبُ المفدَّى … نفوسٌ لم تعدْ بعدَ الذهابِ
همُ اكتسبوا لغيرهمُ فأمسى … عليمُ الاكتسابُ بالاكتئابِ
وصيغَ شبابهم ذهباً أليستْ … على الدينارِ زخرفةُ الشبابِ
يمنونَ السعادةَ وهيَ منهمْ … منالَ الماءِ في بحرِ السرابِ
وإنَّ خزانةَ الآمالِ ملأى … لمن تلقاهُ مهزولَ الجرابِ
ومن يغترَّ بالأقوى يجدهُ … كنصلِ السيفِ يغمدُ في الرقابِ
متى صاحَ الدجاجُ بثُعلُبانٍ … فليسَ سواهُ من داعٍ مجابِ
يظنُّ الأغنياءُ الفقرَ ضعفاً … وكم من حيةٍ تحتَ الخرابِ
ولا يخشونَ ممن جاعَ بأساً … وليسَ أضرَّ من جوعِ الذئابِ
ألم تكنِ السفينةُ من حديدٍ … فما للماءِ يخرقها بنابِ
إذا شحتْ على الأمواجِ تعلو … فما بعدَ العلوِّ سوى انقلابِ
أما للعلمِ سلطانٌ على من … يرى أنَّ الفضائلَ في الخلابِ
وما ذو العلمِ بينَ الناسِ إلا … كَمَنْ كَبَحَ البهيمةَ لاحتلابِ
يظلُّ بها يمارسُها شقياً … وحالبُها يمتَّعُ بالوطابِ
وكم بينَ الطروبِ وذي شجونٍ … إذا أبصرتُ كلاً في اضطرابِ
أرى العلماءَ إذ يشقونَ فينا … نعيماً كامناً تحتَ العذابِ
كقطعةِ سكرٍ في كأسِ بنٍ … تذوبُ ليغتدي حلوَ الشرابِ
ومن أخذَ العلومَ بغيرِ خُلقٍ … فقدْ وجدَ الجمالَ بغيرِ سابي
وما معنى الخضابُ وأنتَ تدري … بأنَّ العيبَ من تحتِ الخضابِ
إذا الأخلاقُ بعدَ العلمِ ساءتْ … فكلُّ الجهلِ في فصلٍ وبابِ
ولولا العلمُ لم تسكنْ نفوسٌ … على غيِّ الحياةِ إلىالصوابِ
ولولا الدينُ كانتْ كلُّ نفسٍ … كمثلِ الوحشِ تسكنُ للوثابِ
رأيتُ الدينَ والأرواحَ فينا … كما صحبَ الغريبُ أخا اغترابِ
فلا روحٌ بلا دينٍ ومن ذا … رأى راحاً تُصَبُّ بلا حبابِ
ليجحدْ من يشاءُ فربَّ قشرٍ … يكونُ وراءهُ عجبُ اللبابِ
وللهِ المآبُ فكيف يعمى … أخو الأسفارِ عن طرقِ المآبِ
وما ظماءي وفي جنبيَّ نهرٌ … تدفقَ بينَ قلبي والحجابِ