تمايلَ دهرُكَ حتى اضطربْ – مصطفى صادق الرافعي

تمايلَ دهرُكَ حتى اضطربْ … وقد ينثني العطفُ لا من طربْ

ومرَّ زمانٌ وجاءَ زمان … وبينَ الزمانينِ كلُّ العجبْ

فقومٌ تدلوا لتحتِ الثرى … وقومٌ تعالوا لفوق الشُّهبْ

لقد وعظتنا خطوبُ الزمان … وبعضُ الخطوبِ كبعضِ الخطبْ

ولو عرف الناسُ لم تهدهمْ … سبيلَ المنافعِ إلا النوبْ

فيا ربَّ داء قد يكونُ دواءً … إذا عجز الطبُّ والمستطب

ومن نكد الدهر أن الذي … أزاح الكروب غدا في كُرَبْ

وإن امرءاً كان في السالبين … فأصبحَ بينهُمُ يستَلبْ

ألست ترى العربَ الماجدين … وكيفَ تهدمَ مجد العربْ

فأينَ الذي رفعتهُ الرماح … وأين الذي شيدتهُ القضبْ

وأين شواهق عزٍ لنا … تكادُ تمسُّ ذراها السحبْ

لقد أشرقَ العلم لما شرقنا … وما زال يضؤل حتى غَرَبْ

وكنا صعِدنا مراقي المعالي … فأصبحَ صاعدنا في صببْ

وكم كان منا ذَوو همةٍ … سمتْ بهم لمعالي الرُّتبْ

وكم من هزبرٍ تهزُ البرايا … بوادرهُ إن ونى أو وثبْ

وأقسمُ لولا اغترارُ العقول … لما كفَّ أربابها عن أربْ

ولولا الذي دبَّ ما بينهم … لما استصعبوا في العلا ما صعب

ومن يطعم النفس ما تشتهي … كمن يطعمُ النار جزلَ الحطبْ

الا رحمَ اللهُ دهراً مضى … وما كاد يبسمُ حتى انتحبْ

وحيى لياليَ كنا بها … رعاةً على من نأى واقترَب

فملكاً نقيل إذا ما كبا … وعرشاً تقيمُ إذا ما انقلب

سلوا ذلكَ الشرق ماذا دهاه … فأرسلهُ في طريق العطبْ

لو أن بنيه أجلوا بنيه … لأصبحَ خائبهم لم يخبْ

فقد كانَ منهمْ مقرُّ العلوم … كما كان فيهم مقرُّ الأدب

وهل تنبتُ الزهرُ أغصانهُ … إذا ماءُ كلِّ غديرٍ نضَب

وكم مرشدٍ بات ما بينهم … يُسامُ الهوانَ وسوء النصب

ومن يستبقْ للعلا غايةً … فأولى به من سواه التعبْ

وليس بضائرِ ذي مطلبٍ … إذا كفهُ الناسُ عما طلبْ

فكم من مصابيحَ كانت تضيء … بين الرياحِ إذا لم تهبْ

وما عِيْبَ من صدفٍ لؤلؤٌ … ولا عابَ قدْرَ الترابِ الذهبْ

بني الشرقِ أينَ الذي بيننا … وبينَ رجالِ العلا من نسبْ

لقد غابتِ الشمسُ عن أرضكم … إلى حيثُ لو شئتُم لم تغبْ

إلى الغرب حيث أولاءِ الرجال … وتيكَ العلومِ وتلك الكتبْ

وإن كان مما أردتم فما … تنال العلا من وراءِ الحجبْ

فدوروا مع الناسِ كيف استداروا … فإن لحكم الزمان الغلبْ

ومن عاند الدهر فيما يحب … رأى من أذى الدهرِ ما لا يُحبْ