أطابَ لذلكَ لرشإ الجفاءُ – مصطفى صادق الرافعي

أطابَ لذلكَ لرشإ الجفاءُ … فلذَّ لأعيني فيهِ البكاءُ

رشاً ذلَتْ لهُ الأسْدُ الضواري … وعزَّتْ في ملاحتهِ الظباءُ

تعلمَ كيفَ تنبعثُ المنايا … وكيفَ تراقُ ي الحبِّ الدماءُ

وعلمَ ناضريهِ الفتكَ حتى … كأن عليهما وقفَ القضاءُ

تلقتهُ الصبا سحراً فمرتْ … وفيها للمحبينَ الشفاءُ

لهُ مني التدللُ والرضاءُ … ولي منهُ التذللُ والإياءُ

فما ألقاهُ إلا في الأماني … وهل يشفي الجوى هذا اللقاءُ

إذا ما شاءَ ردَّ عليَّ نومي … ولكني أراهُ لا يشاءُ

غفتْ تلكَ المرابعُ والمغاني … وما عفتِ المودةُ والإخاءُ

وأصبحتِ الليالي حاسراتٍ … كما لطمتْ عوارضَها النساءُ

وفي قلبي من الهجرانِ سقمٌ … وفي كبدي من الأشواقِ داءُ

وليلٍ بتُّ أقضيهِ بكاءً … وأنجمهُ كآمالي بطاءُ

لو أن على الكواكبِ ما بنفسي … لألقتها إلى الأرضِ السماءُ

همومٌ تشفقُ الأطوادُ منها … وأحزانٌ يضيقُ بها القضاءُ

كأني ما لبستُ الصبحَ تاجاً … تألقُ فوقَ مفرقهِ ذُكاءُ

ولم انضِ الكؤوسَ محجلاتٍ … تخفُّ بها إلى الهم الطلاءُ

بروضٍ تصدحُ الآمالُ فيهِ … ويرقصُ بينَ أيدينا الهناءُ

وقد هبَّ النسيمُ على فؤادي … كنضوِ اليأسِ هبَ لهُ الرجاءُ

كأنَّ في المجرةِ فيهِ نهراً … تحومُ غليهِ أفئدةٌ ظماءُ

وقد أنسَ الحبيبُ ومرَّ يلهو … كما يلهو بمسرحِها الظباءُ

وضرجتِ المدامةُ وجنتيهِ … فكادَ الوردُ يفضحهُ الحياءُ

ومالَ فراحَ يرقصُ كلُّ غصنٍ … وللأغصانِ بالقدِّ اقتداءُ

زمانٌ كانَ مثلَ الصبحِ راحتْ … بهِ الدنيا وأعقبهُ المساءُ

كذاكَ الدهر حالٌ بعدَ حالٍ … لأهليهِ التنعمُ والشقاءُ

إذا سرَّتْكَ أيامٌ أساءتْ … فليتكَ لا تُسَرُّ ولا تُساءُ

وإن لم يبقَ في الدنيا حبيبٌ … فأولها وآخرها سواءُ