نعم هذه يا دهرُ أمُّ المصائبِ – مهيار الديلمي
نعم هذه يا دهرُ أمُّ المصائبِ … فلا توعدني بعدها بالنوائبِ
هتكتَ بها ستر التجاملِ بيننا … و لم تلتفت فينا لبقيا المراقبِ
و ما زلت ترمى صفحتي بين عاصدِ … و منحرفٍ حتى رميتَ بصائبِ
فرأيكَ في قودي فقد ذلَّ مسحلي … و شأنكَ في غمزي فقد لان جانبي
و لا تحسبني باسطا يدَ دافعٍ … و لا فاتحا من بعدها فمَ عاتبِ
و لا مسبغا فضفاضة ً أبتغي بها … شبا طاعنٍ من حادثاتك ضاربِ
لها كنتُ أستبقي الحياة َ وأحتمي … و أجمعُ بردى من أكفَّ الجواذبِ
وَ لجتَ رواقَ العزّ حتى اقتحمتهُ … بلا وازعٍ عنه ولا ردَّ حاجبِ
و أنشبتَ في صماءَ عهدي بمتنها … صفيقَ المطا زليقة يالمخالبِ
سددتَ طريقَ الفضلِ من كلِ وجهة ٍ … و ملتَ على العلياء من كلّ جانبِ
فلا سننٌ إلا محجة ُ تائهٍ … و لا أملٌ إلا مطية ُ خائبِ
أبعدَ ابنِ عبد اللهِ أحظى براجعٍ … من العيش أو آسى على إثرْ ذاهبِ
و أرسلُ طرفي رائدا في خميلة ٍ … من الناسِ أبغى نجعة ً لمطالبي
و أقدحُ زندا وارياً من هوى أخٍ … و أكشفُ عن ودًّ خبيئة َ صاحبِ
و أدفعُ في صدرِ الليالي بمثلهِ … فترجعَ عني دامياتِ المناكبِ
أبى َ ذاك قلبٌ عنه غيرُ مغالطٍ … برجمٍ وحلمٌ بعدهُ غيرُ عازبِ
و أنَّ خروقَ المجدِ ليستْ لراقع … سواه وصدعَ الجودِ ليس لشاعبِ
طوى الموتُ منه بردة ً في دروجها … بقية ُ أيامِ الكرامِ الأطايبِ
محبرة ً سدى وألحمَ وشيها … صناعٌ بحوك المكرماتِ الرغائبِ
كسا اللهُ عطفَ الدهرِ حيناً جمالها … فلما طغى قيضتْ لها يدُ سالبِ
لئن درستْ منها الخطوطُ فإنه … ليبقى طويلا عرفها في المساحبِ
و جوهرة ً في الناس كانت يتيمة ً … و هل من أخٍ للبدرِ بين الكواكبِ
أبى الحسنُ أن يحبى َ بها عقدُ ناظمٍ … فتسلكَ أو يسمولها تاجُ عاصبِ
فمدتْ إليها بالردى يدُ كاسرٍ … و كان يقيها المجدُ من يد ثاقبِ
سل الموتَ هل أودعتهُ من ضغينة ٍ … تنقمَ منها فهو بالوترْ طالبي
له كلَّ يومٍ حولَ سرحيَ غارة ٌ … يشرد فيها بالصفايا النجائبِ
سلافة ُ إخواني وصفوة ُ إخوتي … و نخبة ُ أحبابي وجلُّ قرائبي
فليتَ عفا عن أحمدٍ فادياً له … بمصرمة ٍ مما اقتنيتُ وحالبِ
أألآن لما اشتدّ متني بوده … و ردتْ ملاءً من نداه حقائبي
و جمتْ لآمالي العطاشِ حياضهُ … و كانت تخلى َّ عن نطافِ المشاربِ
فجعتُ به غضَّ الهوى حاضرَ الجدي … جديدَ قميص الودّ سهلَ المجاذب
كأني على العهدِ القريبِ اعتلقتهُ … بطولِ اختباري أو قديم تجاربي
سددتُ فمَ الناعي بكفي تطيرا … و لويتُ وجهي عنه ليَّ مغاضبِ
و قلتُ تبينْ ما تقولُ لعلها … تكون كتلك الطائراتِ الكواذبِ
فكم غامَ من أخباره ثم أقشعتْ … سحابتهُ عن صالحِ الحالِ ثائبِ
فلما بدا لي السرُّ في كرَّ قوله … ربطتُ نوازي أضلعي بالرواجبِ
و ملتُ إلى ظلًّ من الصبر قالصٍ … قصيرٍ وظنًّ بالتجملِ كاذبِ
و نفسٍ شعاعٍ قد أخلَّ وقارها … بعادتهِ في النازلاتِ الصعائبِ
و عينٍ هفا الحزنُ الغريبُ بجفنها … فطاحَ ضياعا في الدموعِ الغرائبِ
أسائلُ عنه المجدَ وهو معطلٌ … سؤالَ الأجبَّ عن سنامٍ وغارب
و أستروحُ الأخبارَ وهي تسوءني … علائقَ منها في ذيولِ الجنائبِ
فيفصحُ لي ما كان عنه مجمجماً … و يصدقني ما كان عنه مواربي
فقيدٌ بميسانَ استوت في افتقاده … مشارقُ آفاق العلا بالمغاربِ
و قيدَ الحياءُ والسماحُ فأرجلا … عقيرينِ في تربٍ له متراكبِ
تنافثُ عن جمرِ الغضا نادباتهُ … كأنّ فؤادي في حلوقِ النوادبِ
بكتْ أدمعا بيضا ودمتْ جباهها … فتحسبها تبكي دماً بالحواجبِ
هوتْ هضبة ُ المجدِ التليدِ وعطلتْ … رسومُ الندى وانقضَّ نجمُ الكواكبِ
وردتْ ركابُ المخمسين بظمئها … تكدّ الدلاءَ في ركايا نواضبِ
و منْ يستبلُّ المسنتونَ بسيبهِ … فيرجعَ خضراً بالسنيين الأشاهبِ
و مولى كشفتَ الضيمَ عنه وقد هوى … به الذلُّ في عمياءَ ذاتِ غياهبِ
فلما رآك استشعرَ النصفَ واستوتْ … به رجلهُ في واضح متلاحبِ
و فيمن يصاغُ الشعرُ بعدك ناظما … عقودَ الثناءِ حاظياً بالمناقبِ .
و أين أخوك الجودُ من كف راغبٍ … إذا لم تكن قسامَ تلك الرغائبِ
و من ذا يعي صوتي ويعتدّ نصرتي … جهادا وودي من وشيج المناسبِ
برغميَ أنْ هبَّ النيامُ وأنني … دعوتكَ وجهَ الصبح غيرَ مجاوبِ
و أن لا ترى مستعرضا حاجَ رفقة ٍ … و لا سائلاً من أين مقدمُ راكبِ
و كنتُ إذا ما الدهرُ شلَّ معاطني … دعوتكَ فاستنفذتَ منه سلائبي
ذخيرة ُ أنسى يومَ يوحشني أخي … و بابي إذا سدتْ على مذاهبي
و كم من أخٍ برًّ وإن أنا لم أجدْ … كأنتَ أخاً في أسرتي والأجانبِ
سرى الموتُ من أوطانه في مآلفي … و نقبَ من أخلافهِ عن حبائبي
عجبتُ لهذي الأرض كيف تلمنا … لتصدعنا والأرضُ أمُّ العجائبِ
نطاردُ عن أرواحنا برماحنا … و نطربُ من أيامنا للحرائبِ
و تسحرنا الدنيا بشبعة ِ طاعمٍ … هي السقمُ المردى ونهلة ِ شاربِ
أحدثُ نفسي خاليا بخلودها … فأين أبي الأدنى وأين أقاربي
و لا كنتُ إلا واحداً من عشيرة ٍ … و لا باقيا في الناس إلا ابن ذاهب
فهل أنا أجبي من مقاول حميرَ … و أمنعُ ظهرا من مشيد ماربِ
و هل أخذتْ عهد السموءلِ لي يدٌ … من الموت أو عندي حنية ُ حاجبِ
أردّ شفارا عن نحورِ صحابة ٍ … كأنيَ دفاعٌ لها عن ترائبي
و لا علمَ لي من أيّ شقيَّ مصرعي … و في أيما أرضٍ يخطُّ لجانبي
إذا كان سهمُ الموتِ لا بدّ واقعا … فيا ليتني المرمى من قبلِ صاحبي
و يا ليتَ مقبورا بكوفان شاهدٌ … جوايَ وإن كانت شهادة َ غائبِ
و ليتَ بساط الأرض بيني وبينه … طوته على الأعضادِ أيدي الركائبِ
فعجبتُ عليه واقفاً فمسلما … و إن هوَ يفقهْ حديثَ المخاطبِ
و ليتَ طريفَ الودّ بيني وبينه … و إن طابَ يوماً لم يكن من مكاسبي
سلامٌ على الأفراح بعدك إنها … و إن عشتُ ليست إربة ً من مآربي
إذا دنس الحزنَ السلوُّ غسلتهُ … فعاد جديدا بالدموعِ السواكبِ
و إن أحدثتْ عندي يدُ الدهرِ نعمة ً … ذكرتك فيها فاغتدتْ من مصائبي
أداري عيونَ الشامتين تجلدا … و أبسمُ منهم في الوجوهِ القواطبِ
أريهم بأني ثابتُ الريش ناهضٌ … و تحت جناحي جانفاتُ المخالبِ
سقتكَ بمعتادِ الدموع مرشة ً … أفاويقُ لم تخدج بلمعة ِ خالبِ
يلوث خطافُ البرقِ في جنباتها … بهامِ الهضابِ السودِ حمرَ العصائبِ
لها فوق متنِ الأرض وهي رفيقة ٌ … بما صافحت وخدُ القرومِ المصاعبِ
ترى كلَّ تربٍ كان يعتاضُ ليناً … لها وغلاماً كلَّ أشمطَ شائبِ
إذا عممتْ جلحاءُ أرضٍ بوبلها … غدتْ روضة ً وفراءَ ذات ذوائبِ
و إن كان بحرٌ في ضريحك غانيا … بجماتهِ عن قاطراتِ السحائبِ