نرى عظما بالبين والصد أعظم – المتنبي
نَرَى عِظَماً بالبَينِ والصّدُّ أعظَمُ … ونَتّهِمُ الواشِينَ والدّمْعُ مِنْهُمُ
ومَنْ لُبُّهُ مَع غَيرِهِ كَيفَ حالُهُ … ومَنْ سِرّهُ في جَفْنِهِ كيفَ يُكتَمُ
ولمّا التَقَيْنا والنّوَى ورَقيبُنا … غَفُولانِ عَنّا ظِلْتُ أبكي وتَبسِمُ
فلَمْ أرَ بَدراً ضاحِكاً قبلَ وجْهِها … ولم تَرَ قَبْلي مَيّتاً يَتَكَلّمُ
ظَلومٌ كمَتنَيْها لِصَبٍّ كَخَصْرِها … ضَعِيفِ القُوَى مِن فِعلِها يَتَظلَّمُ
بفَرْعٍ يُعيدُ اللّيْلَ والصّبْحُ نَيّرٌ … ووَجهٍ يُعيدُ الصّبحَ واللّيلُ مُظلِمُ
فلَوْ كانَ قَلبي دارَها كانَ خالِياً … ولكنّ جَيشَ الشّوْقِ فيهِ عرَمرَمُ
أثَافٍ بها ما بالفُؤادِ مِنَ الصَّلَى … ورَسْمٌ كَجسمي ناحِلٌ مُتَهَدّمُ
بَلَلْتُ بها رُدْنَيَّ والغَيمُ مُسْعِدي … وعَبْرَتُهُ صِرْفٌ وفي عَبرَتي دَمُ
ولَوْ لم يكُنْ ما انهَلّ في الخدّ من دمي … لمَا كانَ مُحْمَرّاً يَسيلُ فأسْقَمُ
بنَفْسِي الخَيَالُ الزّائري بعد هجعَةٍ … وقوْلَتُهُ لي بعدَنا الغُمضَ تَطعَمُ
سَلامُ فلَوْلا الخَوْفُ والبُخلُ عندَهُ … لقُلتُ أبو حَفْصٍ عَلَينا المُسَلّمُ
مُحِبُّ النّدَى الصّابي إلى بَذْلِ ماله … صُبُوّاً كمَا يَصْبُو المُحبُّ المُتَيَّمُ
وأُقْسِمُ لَوْلا أنّ في كلّ شَعْرَةٍ … لَهُ ضَيغَماً قُلنا لهُ أنتَ ضَيغَمُ
أنَنْقُصُهُ من حَظّهِ وهْوَ زائِدٌ … ونَبْخَسُهُ والبَخْسُ شيءٌ مُحَرَّمُ
يَجِلُّ عنِ التّشبيهِ لا الكَفُّ لُجّةٌ … ولا هوَ ضِرْغامٌ ولا الرّأيُ مِخذَمُ
ولا جُرْحُهُ يُؤسَى ولا غَوْرُهُ يُرَى … ولا حَدُّهُ يَنْبُو ولا يَتَثَلّمُ
ولا يُبْرَمُ الأمْرُ الذي هوَ حالِلٌ … ولا يُحْلَلُ الأمْرُ الذي هوَ مُبْرِمُ
ولا يَرْمَحُ الأذْيالَ مِنْ جَبَرِيّةٍ … ولا يَخْدُمُ الدّنْيَا وإيّاهُ تَخدُمُ
ولا يَشْتَهي يَبْقَى وتَفْنى هِبَاتُهُ … ولا تَسْلَمُ الأعداءُ منْهُ ويَسْلَمُ
ألَذُّ مِنَ الصّهْبَاءِ بالماءِ ذِكْرُهُ … وأحْسَنُ مِنْ يُسرٍ تَلَقّاهُ مُعدِمُ
وأغْرَبُ من عَنقاءَ في الطّيرِ شكلُهُ … وأعْوَزُ مِنْ مُسْتَرْفِدٍ منه يُحرَمُ
وأكثرُ من بَعدِ الأيادي أيادِياً … من القَطرِ بعد القَطْرِ والوَبلُ مُثجِمُ
سَنيُّ العَطايا لوْ رَأى نَوْمَ عَيْنِهِ … منَ اللّؤمِ آلى أنّهُ لا يُهَوِّمُ
ولو قالَ هاتُوا دِرْهَماً لم أجُدْ بهِ … على سائِلٍ أعْيا على النّاسِ دِرْهَمُ
ولَوْ ضَرّ مَرْأً قَبْلَهُ ما يَسُرّهُ … لأثَّرَ فيهِ بأسُهُ والتّكَرّمُ
يُرَوّي بكالفِرْصادِ في كلّ غارَةٍ … يَتامَى منَ الأغمادِ تُنضَى فتُوتِمُ
إلى اليَوْمِ ما حَطّ الفِداءُ سُرُوجَهُ … مُذُ الغَزْوِ سارٍ مُسرَجُ الخيل مُلجَمُ
يَشُقّ بلادَ الرّومِ والنّقْعُ أبْلَقٌ … بأسْيافِهِ والجَوُّ بالنّقْعِ أدْهَمُ
إلى المَلِكِ الطّاغي فكَمْ من كَتيبَةٍ … تُسايِرُ منهُ حَتْفَها وهيَ تَعْلَمُ
ومِنْ عاتِقٍ نَصرانَةٍ بَرَزَتْ لَهُ … أسيلَةِ خَدٍّ عَنْ قَليلٍ سيُلْطَمُ
صُفُوفاً للَيْثٍ في لُيُوثٍ حُصُونُها … مُتُونُ المَذاكي والوَشيجُ المُقَوَّمُ
تَغيبُ المَنَايا عَنْهُمُ وهْوَ غائِبٌ … وتَقْدَمُ في ساحاتِهِمْ حينَ يَقدَمُ
أجدَّكَ ما تَنفَكّ عانٍ تَفُكّهُ … عُمَ بنَ سُلَيْمانٍ ومالٌ تُقَسِّمُ
مُكافيكَ مَنْ أولَيْتَ دينَ رَسولِهِ … يداً لا تُؤدّي شُكرَها اليَدُ والفَمُ
على مَهَلٍ إنْ كنتَ لَستَ براحِمٍ … لنَفْسِكَ مِنْ جُودٍ فإنّكَ تُرْحَمُ
مَحَلُّكَ مَقْصُودٌ وشانيكَ مُفحَمٌ … ومِثْلُكَ مَفقودٌ ونَيلُكَ خِضرِمُ
وزارَكَ بي دونَ المُلوكِ تَحَرُّجٌ … إذا عَنّ بَحْرٌ لم يَجُزْ لي التّيَمّمُ
فعِشْ لوْ فدى المَملوكُ رَبّاً بنفسِهِ … من الموْتِ لم تُفقَدْ وفي الأرض مُسلمُ