لم يكفه ما كان حتى جاءه – جبران خليل جبران

لم يكفه ما كان حتى جاءه … ما فوق غل الجيد والإحصار

ألنفي بعد السجن تلك عقوبة … أعلى وأغلى صفقة للشاري

يسمو بها السجن القريب جداره … شرفا إلى سجن بغير جدار

لا يترك الجاري عليه حكمه … إلا ليدركه القضاء الجاري

أي السفائن يستقل كأنها … إحدى المدائن سيرت ببخار

ينأى بها عن أهله ورفاقه … دامي الفؤاد وشيك الاستعبار

ينبو ذرا البلد الأمين بمثله … والزاحفات أمينة الأجحار

متلفتا حين الوداع وفي الحشى … ما فيه من غصص ومن أكدار

تتغيب الأوطان عن جثمانه … والقلب يشهدها الاستحضار

متشبعا مترويا مما يرى … لشفاء مسغبة به مسغبة به وأوار

يرنو إلى صفر الشواطئ نطقت … أعطافها بالأزرق الزخار

ويذوب قبل البين من شوق إلى … وجه الحمى وجماله السحار

يستاف ما تأتي الصبا بفضوله … من طيب تلك الجنة المعطار

وبسمعه لحن العشيرة جامعا … لغة الأنيس إلى لغى الأطيار

لهفي عليه مشردا قبل الردى … سيهيم في الدنيا بغير قرار

من أجل مصر يؤم كل ميمم … في قومه ويزور كل مزار

لا يوم يسكن فيه من وثب ومن … بسكينة للكوكب السيار

في غربة موصولة آلامها … أنضته في الرحلات والأسفار

تنتابه الصدمات لا يشكو لها … إلا شكاة المحرب الكرار

ثقة بأن الفوز ليس لجازع … في العالمين الفوز للصبار

وتعضه الفاقات لا يلوي بها … عزا ويسترها بستر وقار

حرصا على المتطولين بفضلهم … أن يجنحوا وجلا إلى الإقصار

ما كان أظفره بألين جانب … للعيش لولا شدة الإصرار