لعمري لقد أوفى وزاد وفاؤه – الفرزدق
لَعَمْرِي لَقَدْ أوْفَى وَزادَ وَفاؤهُ، … على كلّ جارٍ، جارُ آلِ المُهَلَّبِ
أمَرَّ لَهُمْ حَبْلاً، فَلَمّا ارْتَقَوْا بهِ … أتَى دُونَهُ مِنْهُمْ بدَرْءٍ وَمَنكِبِ
وَقالَ لهم: حُلّوا الرّحالَ، فإنّكُمْ … هَرَبْتُمْ، فألقُوها إلى خَيرِ مَهْرَبِ
أتَوْهُ وَلمْ يُرْسِلْ إلَيهِمْ، وَما ألَوْا … عن الأمنعِ الأوْفَى الجِوَارِ المُهَذَّبِ
فكانَ كما ظنّوا به، والّذي رَجَوْا … لهمْ حينَ ألقَوْا عن حراجيجَ لُغَّبِ
إلى خَيرِ بَيْتٍ فيهِ أوْفَى مُجَاوِرٍ … جِوَاراً إلى أطْنَابِهِ خَيرَ مَذْهَبِ
خَبَبْنَ بِهمْ شَهْراً إلَيْهِ وَدُونَهُ … لهُمْ رَصَدٌ يُخشَى على كلّ مَرْقَبِ
مُعَرَّقَةَ الألْحِي، كَأنّ خَبيبَها … خَبِيبُ نَعاماتٍ رَوايِحَ خُضَّبْ
إذا تَرَكُوا مِنْهُنّ كلَّ شِمِلّةٍ … إلى رَخَماتٍ، بالطّرِيقِ، وَأذْؤبِ
حَذَوْا جِلْدَها أخْفافَهُنّ التي لهَا … بَصَائِرُ مِنْ مَخْرُوقِها المُتَقَوِّبِ
وَكَمْ مِنْ مُناخٍ خائِفٍ قَد ورَدْنَه … حرىً من مُلِمّاتِ الحَوادثِ مُعطَبِ
وَقَعْنَ وَقدْ صَاحَ العَصَافيرُ إذْ بَدا … تَباشِيرُ مَعرُوفٍ من الصّبحِ مُغَربِ
بمِثلِ سُيُوفِ الهِندِ إذْ وَقَعَتْ وَقَدْ … كَسَا الأرْضَ باقي لَيلِها المُتَجَوِّبِ
جَلَوْا عَن عُيونٍ قد كَرِينَ كلا وَلا … مَعَ الصّبْحِ إذْ نادى أذانُ المُثَوِّبِ
على كُلّ حُرْجُوجٍ كأنّ صَرِيفَها … إذا اصْطَكّ ناباها تَرَنُّمُ أخْطَبِ
وَقَد عَلِمَ اللاّئي بكَينَ علَيكُمُ، … وَأنْتُمْ ورَاءَ الخَنْدَقِ المُتَصَوِّبِ
لَقَد رَقَأتْ مُنْها العُيونُ وَنَوّمَتْ، … وَكانَتْ بِلَيْلِ النّائِحِ المُتَحَوِّبِ
وَلَوْلا سُلَيمانُ الخَلِيفَةُ حَلّقَتْ … بهِمْ من يدِ الحَجّاجِ أظفارُ مُغرِبِ
كَأنّهُمُ عِندَ ابنِ مَرْوَانَ أصْبحوا … على رَأسِ غَيْنا من ثَبِيرٍ وَكَبْكَبِ
أبَى وَهْوَ مَوْلى العَهْدِ أنْ يَقبل التي … يُلامُ بها عِرْضُ الغدورِ المُسَبَّبِ
وَفاءَ أخي تَيماءَ إذْ هُوَ مُشْرِفٌ، … يُناديه مغْلُولاً فَتىً غَيرُ جَأنَبِ
أبُوهُ الّذي قال: اقتُلُوهُ، فإنّني … سَأمْنَعُ عِرْضي أن يُسَبّ به أبي
فإنّا وَجَدْنا الغَدْرَ أعْظَمَ سُبّةً، … وَأفضَحَ من قَتلِ امرِىءٍ غيرِ مُذْنِبِ
فَأدّى إلى آلِ امرِىءِ القَيْسِ بَزَّهُ … وَأدْرَاعَهُ مَعْرُوفَةً لَمْ تُغَيَّبِ
كما كانَ أوْفَى إذْ يُنادي ابنُ دَيهَثٍ … وَصِرْمَتُهُ كَالمَغْنَمِ المُتَنَهَّبِ
فَقَامَ أبُو لَيْلى إلَيْهِ ابنُ ظَالِمٍ، … وكانَ إذا ما يَسلُلِ السّيفَ يَضرِبِ
وَمَا كانَ جاراً غَيرَ دَلْوٍ تَعَلّقَتْ … بحَبلَيهِ في مُستَحصِدِ الحبلِ مُكرَبِ
إلى بَدْرِ لَيْلٍ مِنْ أُمَيّةَ، ضَوءُهُ … إذا مَا بَدا يَعْشَى لَهُ كُلُّ كَوْكَبِ
وَأعطاهُ بالبِرّ الّذي في ضَمِيرِهِ، … وَبالعَدْلِ أمْرَيْ كلّ شَرْقٍ وَمغرِبِ