ستالينغراد – محمد مهدي الجواهري

نضت الروح وهزتها لواء … وكسته واكتست منه الدماء

واستمدت من إله الحقل . والبيت … والمصنع . عزما ومَضَاء

رمتِ الزرعَ بعين أثلجَ الدَمعُ … فيها ضرمَ الحِقدِ اجتواء

أعجلت عنهُ فآلت قَسَماً … أن ستسقيه دمَ الاعداءِ ماء

ومشت في زَحمةِ الموتِ على … قدمٍ لم تخشَ مَيلا والتواء

اقسمت باسم عظيمٍ كرمت … باسمِه أنْ لا تهين العظماء

يا ” ستَالينُ ” وما أعظمَها … في التهجي أحرُفاً تأبى الهجاء

أحرف يستمطرُ الكونُ بها … إنعتاقاً وازدهاراً وإخاء

خالق الامة لم يمنُنْ ولم … يبغِ – لولا أرَجُ الزهر – ثناء

وزعيمٌ شعَّ فيمنْ حولَه … قبسٌ منه فكانوا الزعماء

زَرَّ بُردْيهِ على ذي مِرّةٍ … فاض إشفاقاً وبأساً وعناء

مسّه الظلمُ فعادى أهله … وامترى البؤسَ فَحَبَّ البوساء

وانبرى كالغيمِ في مُضْحِيَةٍ … فسقى دهراً وأحيا وأفاء

بُوركَ الباني وعاشت أمةٌ … وفتِ الباني حقوقاً والبناء

قيل للعيشِ ففاضت امناء … وإلى الموت ففاضت شهداء

ومشى التاريخُ موزونَ الخُطى … ما انحنى ذُلاً ولا ضجّ ادعاء

هذه التربهُ لا ما سُمِّيت … وطناً يُنبِتُ جوعاً وعراء

وهي ذي الحفرة إذ طارت عَجاجاً … الفُ نفسٍ معها طارت فداء

وهو ذا العِرضُ فهل تبغي وقاةً … مثلَهم أو مثل ذا تبغي وقاء

قف على ” القَفْقاس ” وانظر … موكبَ المجدِ والعزةِ يمشي خُيَلاء

وسلِ ( القوزاقَ ) هل كان دماً … لمعانُ السيف أم كان طلاء

وجدَ الغادرُ من قسوتها … ما رأى من لطفها الضيفُ سخاء

والعتاقُ الجردُ هل لاقت بما … عاقها من جثث القتلى عناء

نفخت من وَدَجَيْها أن رأتْ … مُمْتطَى فارسِها أمسى خلاء

فهي والغيظُ مرى أشداقها … تعرِكُ اللُّجْمَ وتجتّر الغثاء

واحتواها رهَجُ الحربِ فما … تُبصر الأرضَ عتواً وازدهاء

من على صهوتِها يمنحُها … شرف ” الفارسِ ” عزماً وفتاء

ياعروسَ ” الفلغِ ” والفلغا دمٌ … ساءت البلوى فاحسنت البلاء

صبغ ” الدونَ ” دماءين هما … بُعدُ بين الرجس والطهر التقاء

وجرت امواجُه حاملةً … فوقها الضدينِ صبحاً ومساء

وعلى الجرفين ” عظمان ” هما … رمزُ عهدَيْنِ انحطاطاً وارتقاء

يا ابنة النهرين دومي شَبَحاً … لقويٍّ وضعيفٍ يتراءى

للمهينين عقاباً وجزاء … والمهانين انتفاضاً وإباء

كنتِ اسمى مثلاً من ظَفَرٍ … لم تلده خططُ الحربِ دهاء

غلب الغالبُ فيه وانثنى الطوقُ … – كالحبل – على الطوق انثناء

كنت رمزاً ألْهَمَ الجيلَ الفداء … وهدى الأعقاب ما شاءت وشاء

حسِبوا أمرك ما قد عودوا … صعقَ الحربِ اتقاداً وانطفاء

وابتداء من حديدٍ ودمٍ … يمهَرُ الفتح به ثم انتهاء

واستجاشوا – فيلق الموت على … ظمأ للدم منَّوه ارتواء

ومضوا فيما أرادوا خطوة … أوشك اليأس بها يمحو الرجاء

وجف الغربُ على وطأتِها … وأمالت كلكلَ الشرقِ فناء

وتلوت جيرةٌ طماحةٌ … أفناء تَتَلَقّى أم بقاء

حملت حاضرَها واثقةً … أنَّ في مستقبلٍ آتٍ عزاء

وانبرى التاريخُ في حَيْرتِهِ … أأماماً يتخطّى ام وراء

وسرت انباءُ سوءٍ تَدّعي … أن ريحاً تُنِذرُ الدنيا وباء

حُلُمٌ حلوٌ مُمرٌّ مؤنسٌ … مُوحشٌ سرَّ بما جاء وساء

طاف بالكون فأغفى اهلهُ … تعساءً و أفاقوا سعداء

فاذا العزة في عليائها … تتضرّى فتدوسُ الكبرياء

وإذا الأنقاض في كُرْبتِها … تُفْعِمُ المكروبَ كالرَّوض شذاء

واذا المنقضُ من أحجارها … لمح النجمَ تعالى فاضاء

وإذا الطاغوتُ في أعراسه … يملأ الدنيا نحيباً وبكاء

أنتِ امليت على تاريخه … طافحا بالكبر ذلاً واختذاء

ومحوتِ العجب من اسطاره … وملأت الصَّلَفَ المحضَ ازدراء

وصفعتِ الدنَّ في يافوخِهِ … صفعة لم تُبْقِ خَمْراً وانتشاء

حسب من ضاقت ثناياكِ به … أنه يبغي فلا يَقوى النَّجاء

وكفى المحتلَ هَوناً أن يُرى … الاسرون الغلبُ منه اسراء

نحنُ أهلَ الأرض لو نقْوى وفاء … لرفعناكِ على الأرض سماء

لجعلنا كلَّ عينٍ – مثلما … كلَّ قلب – تتملاكِ اجتلاء

نَعْمَ ما أسدَتْ يدٌ آثمةٌ … كشفت عن وجهِكِ الحرِّ غطاء

عاصفٌ مر فجلّى وانجلى … بدت الشمسُ به أبهى سناء

وضح الحق الذي طال خفاء … وتولى زَبَدُ الكِذبِ جُفاءا

وحّدَ العدلُ شعوباً خلطاء … عمروا الأرضَ وعاشوا خلصاء

وجدوا في تربة تجمعُهمْ … كلّ ما يُطْلبُ في الخُلْدِ اشتهاء

ورأوا في السّلمِ ديناً يُقْتَضى … ورأوا في الحربِ للدَّين اقتضِاء

اترجي – أن تنجي وطنا … من يد الموت – جنوداً فقراء

إن للحرب رجالا ليتَهُمْ … خبّرونا أنَّ للحرب نساء

وغيورات أبى تاريخها … أن ترى دون الغيورين غَناء

زانها الطهرُ رُواءً وارتمتْ … في مُثار النقعِ فازدادت رُواء

ذادت الامُّ عن البيت وقاء … وارتمى الطفلُ على الامِّ افتداء

وتعزَّت حين أخلت طُنفا … لم تَصُنْه – أنها صانت فِناء

” أم غوركَي ” ليت عندي وحيه … لأوفى ( بنتَك ) اليومَ الثناء

لو يعود اليومَ حياً لرأى … مثلَها ألفْاً تهزّ البُلَغاء

بل ولولا أن غوركي أمه … مثلُ هذي لم يُبزَّ النبغاء

يا ” تولستوي ” ولم تذهبْ سدى … ثورةُ الفكر ولا طارت هَباء

يا ثرياً وهبَ الناسَ الثراء … قُمْ ترَ الناسَ جميعا أثرياء

قُمْ تَجِدْهم ما لكِي غلّتهِمْ … من على عهِدك كانوا الأجَراء

هكذا ( الفكرةُ ) تزكو ثَمَراً … أن زكت غرساً ، وأن طابت نماء

قد محصتَ حقاً وادعاء … كلم يخترق السمع سواء

ووجدت الناسَ من جهلِهِمُ … لا يَميزون ثُغاء ورُغاء

استُغلوا فهُمُ من بأسِهمْ … لا يكادون يَعون الأنبياء

فحملت ” البعثَ ” باليمنىَ لَهم … وعلى اليسرى هناء ورخاء

وشجبت الرفقَ والرحمةَ من … نفر ليسوا بحق رُحَمَاء

ينشُدون الناس أحراراً وهم … ملأوا البيتَ عبيداً وإماء

وكَسَوْا كلبهُمُ الخزَّ ومنْ … حولهمْ يلتحفُ الجمعُ العراء

ووجدت الذئبَ في حالاتِه … ربما رافق معزاة وشاء

قد يكون الكذب مفضوحا هراء … ويكون الصدقُ مدسوسا وباء

ويكون الحقُ – ما بينهما … باطلاً والطالحون الصلحاء

يا ابنةَ النهرين هذا نَسَبٌ … من ولاءٍ لو تقبلتِ الولاء

بَعُدَ المَرْمى بما استهدفتِه … واختذى السهمُ فقصرتِ عياء

وارتمى الحسُّ على الحسِّ فما … يستطيع اللفظُ للوعي اداء

ومن الظلم – الذي تابَيْنَه … أن تسومي المعجزاتِ الشعراء

عاطفاتٌ حُوَّمٌ عاجت على … أبْحُرِ الشعر فردتها ظماء

وهي ما كانت لتدلي سببا … لك ، لولا أنها كانت بَراء

لم تُثِرْها نزوةُ النفس ، ولم … يُزهها العُجْبُ ولم تنبِضْ رياء

جُلُّ ما يسعفني به … أن يلبي ” الفمُ ” للقلبِ نداء