ذكرى الهاشمي – محمد مهدي الجواهري
وفّاك ما يُقْضَى من التكريمِ … بَلَدٌ يوفّي حقَّ كلِّ زعيمِ
البصرةُ الفيحاءُ ضاق خِناقُها … ومشتْ بقلبِ مقرّحٍ مكلوم
عَطَفَتْ على الذكرى الاليمةِ عطفةً … نمّت على شَجَنٍ هناك أليم
ياسين إنّ هضيمةً ما ذقتَهُ … غدراً ولم تكُ قبلُ بالمهضوم
ما كنتَ بالرجلِ الذي يمشى له … خَتَلاً كمِشيةِ قانصٍ لظليم
أسَفاً فكلُّ عظيمةٍ غلاّبةٌ … مغلوبةٌ بمقدَّرٍ محتوم
يكفيك فخراً أن تُكادَ بمثلها … مستورةً خَفيِتْ على التنجيم
جُبناً وعَجْزاً أنْ تُقابَل جَهرةً … شأنَ المُغارِمِ في اطّلاب غريم
هذا مقامٌ لا يليقُ بمثله … قولٌ فطيرُ الرأي غيرُ حكيم
فمن الحَراجةِ أن يُبَدِّلَ زِيَّهُ … من كان مرتدياً ثيابَ خصوم
خوفَ الغلو .. وليس من يُزْجي الثنا … لخصيمه في محنةٍ بمَلوم
قد كنتَ فذاً في الرجال .. نبوغُهم … وقفٌ على التبجيل والتعظيم
وجهادُهٌمْ خيرُ الجهاد لأمة … تُهدى إلى نَهْجٍ أغَرَّ قويم
وسياسة هي ملكُ شعبٍ قولُه … فصلٌ لرفضٍ كان أو تسليم
سايرتُ حكمكَ ناقماً لم ادّرعْ … حزبا ولم أزحَفْ بظلِّ زعيم
حاشا ولم أهتِفْ لغيرك داعيا … أو أن أخُصَّ سواك بالتقديم
لكن طموحٌ ليس يَرْضي أهلُهُ … أن تستمرَّ سياسةُ الترميم
كنا نرى المعوجّ من أوضاعنا … في حاجةٍ قصوى إلى التقويم
ونُحِسُّ أنّا بالغون أشُدَّنا … ومعلّلون تَعِلةَ المفطوم
ونرى شتاتَ جهودِنا وصفوفنا … ليست على شيءٍ من التنظيم
ووعودَ من يتحضّنون شؤوننا … ملأى من التخدير والتنويم
نبغي المزيدَ وتقتضينا ساسةٌ … أن نرتضي بنصيبنا المقسوم
ونراك جباراً يكونُ لفكره … في المعضلات مردُّ كلِّ جسيم
ولقد يكون العذرُ أنا طُمَّحٌ … ولقد تكون وأنت غيرُ ملوم
اما مُقامُك فهو غيرُ منازعٍ … ومدى حجاك فليس بالمكتوم
سايرتُ حكمَك ناقماً ووجدتُني … بازاء شهمٍ في الخصام حليم
رحبٍ بنقد خصومه متفتحٍ … بالبشر آونةً وبالتفهيم
يُعطيهِمُ نَصَفاً ويعلمُ أنّه … رجلٌ يَسوس وليس بالمعصوم
ياسين إن خسارةً أن يغتدي … ذاك الدماغُ الفذُّ محضّ رميم
وفجيعةٌ أن نبتغيك فلا تُرى … لجلاء جوٍّ بالبلاد مَغيم
يا درعَ مملكةٍ متينٍ نسجُها … وحسامَ مُلْكٍ ليس بالمثلوم
إن العراقَ وقد نُعيت موكِّلٌ … مما دهاه يمُقْعِدٍ ومقيم
إنا فقدنا يومَ فقدِك كوكبا … ما ان تعوِّضُ عنه غُرُّ نُجوم
لله طِبُّك في السياسة إنه … رَوْح الوَنَى ودواءُ كلّ سقيم
كم فترة دهتِ العراقَ عصيبةٍ … فرّجَتها بدهائك المعلوم
لله درُّك أيَّ زعزعِ عاصفٍ … فيما تدبّرُهُ وأيَّ نسيم
تعلوك سيماءُ الخليِّ جلادةً … ولقد تكونُ نموذجَ المهموم
كنتَ الحفيظَ على السياسة داعماً … ركنَ المُفاوضِ أيَّما تدعيم
قسطاسَ حكمٍ كان حلمُك وحده … نِعْمَ الضمانُ عن انزلاقِ حُلوم
فيما يولّد حرُّ رأيك تَتّقي … نزواتِ رأيٍ يستجدّ عقيم
كم موقفٍ معصوصبٍ متلابس … جَلّى .. وكم داءٍ به محسوم
كنت المضيءَ سبيلَ كلِّ عَميّةٍ … تَيَهْاءَ تعتورُ البلادَ بهيم
صُلبَ العقيدةِ لا يردُّك حادثٌ … في كل ما تَبْني عن التصميم
واذا البلادُ تفرّقت آراؤها … شِيعاً بلا نَهْجٍ لها مرسوم
أطلعتَ رأيك بينها فتطايحت … لك عن مكانِ السيدِ المخدوم
كنا إذا ضاق الخِناقُ وحَشْرَجَتْ … نَفْسٌ بغيظٍ حانقٍ مكظوم
وبدا لنا الدستورُ وهو مخلَّعٌ … عريانَ غيرَ تستُّرٍ مزعوم
لذنا بياسينٍ فكانت قوةٌ … جبارةٌ في وجه كلِّ غَشوم
واليومُ نخشى أن يَضيعَ توازُنٌ … في الكِفَّتَيْنِ وأنت غيرُ مقيم