تجلت لنا ذات وفعل بدا واسم – عبدالغني النابلسي
تجلت لنا ذات وفعل بدا واسم … فكانت وما كنا وليس لنا وسم
هنالك قامت بالوجود قيامة … بها حشرت أرواحنا واختفى الجسم
مدام بها الأفراح دامت لأهلها … ومن لم يذقها كل أوقاته غمّ
وقام بها الساقي وحيى فساقنا … إلى مورد منها لذيذ به الطعم
إذا ما تراءت في الكؤؤس بدالها … شعاع له في كل ناحية نجم
هي السرّ للأشياء والجهر دائما … على عدد الأنفاس والبدء والختم
بها يهتدي الأعمى إليها ويسمع ال … أصمّ وتأتي ناطقين بها البكم
ويأمن ذو خوف ويفرح ذو أسى … ويعتز ذو ذل ويبرابها السقم
ولو أنهم صبوا على البحر قطرة … لعاد بها عذبا ولو أنه سمّ
ولو ذكروا حول الحطيم صفاتها … لزال عن البيت العتيق بها الحطم
ولو لم تكن أسماؤها قد تبينت … لما بان في الأكوان كيف ولا كمّ
ولولا سنا كاساتها من ورا الورى … لما كان ذوق في الندامى ولا فهم
ولو أن ميتا لقنوه بلفظها … لقام سريعا نحوها شوقه ينمو
ولولا بدت لم يشعر الأشعري بها … ولولا تخفت ما تجهمها جهم
ولولا معاني حسنها ظهرت على … ملاح الورى ما كان عشق ولاوهم
ولو بيتيم الوالدين قد اعتنت … لعز وعنه زال من ذله اليتم
جمال تجلى في جلال وعكسه … فقوم له مدح وقوم لهم ذمّ
وكل قلوب الناس لو لم تهم بها … لما طاب نثر في الكلام ولا نظم
ولكنهم هاموا ورقت طباعهم … ولم يعلموا في أيّ واد بها هموا
لثام من الأشياء يحجب وجهها … حلا لعيون العاشقين به اللثم
ألا حيّ يا صاحي على سكرة بها … ودع عنك من هم دونها عندهم وهم
وشقق بها الأثواب عنك وكن بها … مجرّد عزم لا يقاس به عزم
وبت في ثرى حاناتها متلفقا … بأثواب ذل في هواها بها تسمو
وكن عاجزا عنها تكن قادرا بها … فعدلك عنها منك نحو السوى ظلم
هي البيت بيت الله حجت قلوبنا … إليها فلا ذنب علينا ولا جرم
إذا نحن أحرمنا نلبي بذكرها … وفي علميها عندنا يكثر العلم
وإن زمزم الحادي بها فهي زمزم … وعن مصنا من ثديها ما لنا فطم
نعمنا بها في لذة العيش والصبا … وما ذاك إلا أنها أنعمت نعم
هي الدهر في تقليب أيامه على … بنيه له حرب بهم وله سلم
إذا ما شربناها خفينا بنورها … وعند طلوع الشمس ما للدجى رسم
بها للحواس الخمس منا تمتع … فسمع ولمس ذوقنا بصر شمّ
وللعقل أيضا لذة في جمالها … وسرّ بدا منها له وجب الكتم
وقد سكرت حاناتها وكؤوسها … بها في تجليها وقد سكر الكرم
ولو أن إنسانا صحا لرأى هنا … من السكر قد هامت بها العرب والعجم
ومن سكرهم منها يقولون غيرها … وهذا أب قالوا كما هذه أمّ
وقالوا عيون في وجوه وأرجل … وأيد وقالوا أرؤس ودم لحم
معان تبدّت في صفاء وجودها … فقوم لهم أجر وقوم لهم إثم
وتلك نعوت قائمات بها لها … على الفرض والتقدير لا أنه حتم
إشاراتها اللاتي بوصف مشيئة … تسمى بأشيا وهي هالكة عقم
وما ثم توليد وليس مناسبا … لها ذاك بل وصف إليها له ضمّ
تحقق بما قلناه فيها مجانبا … سواه فما قلناه فيها هو الغنم
وإياك والتوليد في جعلها السوى … فذلك قذف منك في حقها شتم
وإن جهل الأقوام ذلك واختفى … عليهم فللتوحيد توليدهم هدم
نصحتك فامسح عن بصيرتك العمى … بقولي وإلا فالنصوص لك الخصم
وهذا هو الحق الذي هو ظاهر … وبالغيب فيها ما عداه هو الرجم
خذ الكاس مني يا ابن ودّي فإنه … روى ّ بهذا فليكن عندك الحزم
ومل طربا في النشأتين بشربه … فإن شرابي للضلال به هضم
شراب طهور في كؤوس نظيفة … كريم به الساقي ومنه العطا الجمّ
على رنة الأسماء دام مدامنا … وإن نمق الزور الوشاة وإن نموا
وفي مقعد الصدق العزيز مناله … تجلت لنا ذات وفعل بدا واسم