بريد الغربة – محمد مهدي الجواهري

هبَّ النسيم فهبتِ الأشواقُ … وهفا إليكمْ قلبه الخّفاقُ

وتوافَقا فتحالفا هو والأسى … وحَمامُ هذا الأيكِ والأطواق

عارٌ على أهل الهوى ان تُزدرى … هذي النفوسُ وتُشترى الأعلاق

ذَم الفراقَ معاشرٌ جهلوكُمُ … من أجلكم حتى الفراقُ يُطاق

ما شوقُ أهل الشوق في عُرفِ الهوى … نُكرٌ فقد خُلِقوا لكي يشتاقوا

أما الرفاقُ فلم يَسُؤْني هجرهمْ … إذ ليس في شرع الغرام رفاق

لو أُبرم الميثاقُ ما كَمَلَ الهوى … شرطُ الهوى ان يُنقَض الميثاق

كُتُبُ الاله تشّرفت في ذكره … وبذكركمْ تتشرفُ الأوراق

هذا القريض تكبَّرت بُرُآتهُ … إذ ضاق من ألم الفراق خناق

عَمَرت بذكركمُ اللذيذِ مجالسٌ … وازَّيَّنَتْ بهواكُمُ أسواق

ماذا أذُم من الهوى وبفضله … قد رق لي طبعٌ وصحَّ مَذاق

هي ” فارسٌ ” وهواؤها ريح الصَّبا … وسماؤها الأغصانُ والأوراق

وَلِعَتْ بها عُشّاقها وبليةٌ … في الشرق إنْ وَلِعَتْ بها العشاق

سالت بدفاق النُّضار بقاعُها … وعلى بنيها شحتِ الأرزاق

يا بنتَ ” كومرثٍ ” أقلَّى فكرةً … فلقد أضرَّ برأسك الإخفاق

وتطلَّعي تَتَبَيَّني الفجرَ الذي … تتوقعينَ وتنجلي الآفاق

لي في العراق عصابةٌ لولاهمُ … ما كان محبوباً الىّ عراقُ

لا دجلةٌ لولاهمُ ، وهي التي … عذُبت، تروق ولا الفراتُ يذاق

” شمرانُ ” تُعجِبُني ، وزهرةُ روضها … وهواؤها ، ونميرُها الرَّقراق

متكسراً بين الصخور تمُدّهُ … فوقَ الجبال من الثُّلوج طِباق

وعليه من وَرَقِ الغُصونِ سُرادقٌ … ممدوةٌ ومن الظِلالِ رُواق

في كل غصْنٍ للبلايل ندوةٌ … وبكل عودٍ للغنا ” إسحاق “

كانت منايّ فلم تُعَقْ وعجيبةٌ … أني أُحب منىً فلا تُعتاق

سرُّ الحياة نجاحُ آمالِ الفتى … أما المماتُ فسرُّه الإخفاق